علمنا ولا اطلعنا، وفي رواية "فقال عمر لابن عباس. أحب أن تعلم. عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج، لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون فكأنما فقدوا بكار أولادهم فأخبر عمر بذلك قال: فرأيت البشر في وجه.
-[(وقفة عند هذا الحديث)]-
من الصعب أن نقنع أنفسنا بأن دافع قتل عمر هو عدم إنصافه لهذا العبد من وجهة نظره، إذ كان الأولى بأن يقتل سيده، الظالم له حسب فهمه وكانت هناك وسائل أخرى يسلكها العبد لرفع هذا الظلم غير القتل، وأقلها رفض هذا التكسب والاكتفاء بالخدمة والعبودية كشأن الآلاف ولكننا نعتقد أن هناك ثأرا سابقا، من غزو المسلمين لبلاده، وقتلهم أباه أو عمه أو أخاه، أو أحب الناس إليه، وهو وأمثاله لم يسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم حتى يغسل أضغانهم فكان الحذر منهم واجبا، كما أشار عمر، ولكن لا يغني حذر من قدر ففي رواية ابن سعد "فلما طعن قال: وكان أمر الله قدرا مقدورا". ونعود إلى رواية البخاري وعمر الجريح في بيته "وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ" يتوافدون عليه، ويحيطون به، ويدعون له، ويثنون عليه، وجاءوا له بالطبيب، فأتي بنبيذ، فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي له بلبن، فشربه، فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت، "وقال الطبيب: اعهد يا أمير المؤمنين. فقال عمر: صدقني ولو قال غير ذلك لكذبته".
وكثر الثناء والدعاء والمواساة فمن قائل: لا بأس ومن قائل: نخاف عليك وعلى الإسلام ومن قائل يقول له: أبشر - يا أمير المؤمنين - ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال عمر: وددت أن ذلك كفاف، لا علي، ولا لي، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: يرحمك الله يا عمر، ما تركت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثله منك، أي ليتني ألقى الله بمثل ما ستلقاه به، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بينك وبينه وبين أبي بكر في غالب المناسبات فيقول: خرجت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلت كذا أنا وأبو بكر وعمر، وجئت أنا وأبو بكر وعمر، وها هي عائشة قد أذنت لك بأن تدفن مع صاحبيك وستكون معهما في الجنة إن شاء الله فهنيئا لك. وهنيئا لك.
قال عمر: "يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه، فوجدوه ستة وثمانين ألفا، أو نحوه قال: إن وفى له مال آل عمر، فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال" وفي رواية "قال: يا عبد الله، أقسمت عليك بحق عمر إذا مت، فدفنتني أن لا تغسل رأسك، حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفا، فتضعها في بيت مال المسلمين، فسأله عبد الرحمن بن عوف أي عن أسباب هذا الدين - فقال: أنفقتها في حجج حججتها، وفي نوائب كانت تنوبني" قال ابن التين: قد علم عمر أنه لا يلزمه غرامة ذلك، إلا أنه أراد أن لا يتعجل من عمله شيئا في الدنيا.
ثم قال عمر "يا عبد الله، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل لها: يقرأ عليك عمر السلام- ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا - وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب