ثم قال: وكذلك المراد بهذه الرؤية من اتفقت له ممن تقدم شرحه وهو يقظان، أما من رآه في المنام وإن كان قد رآه حقا، فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية، لا الأحكام الدنيوية، فلذلك لا يعد صحابيا، ولا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة.
هذا آخر ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقد أحال بسط المسألة إلى ما جمعه من علوم الحديث.
وخلاصة هذه الأقوال
أن من أسلم من بني آدم وأقام مع النبي صلى الله عليه وسلم بالغا عاقلا سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فأكثر واستمر على إسلامه حتى مات فهو صحابي باتفاق. فإذا فقد وصفا من هذه الأوصاف ففي استحقاق وصف الصحبة خلاف بين المحدثين من ذلك:
1 - من اتصف بهذه الصفات من غير بني آدم كالجن ثم الملائكة.
2 - من رآه حيا لحظة بالغا عاقلا مسلما واستمر على إسلامه حتى مات.
3 - من رآه حيا لحظة - ولو طفلا مسلما واستمر على إسلامه حتى مات.
4 - من رأى جسده الشريف بعد موته، مسلما واستمر على إسلامه حتى مات.
5 - من كشف له عنه من الأولياء، فرآه بعد موته على سبيل الكرامة.
6 - من رآه مسلما، ثم ارتد ثم أسلم ولم يره بعد عودته إلى الإسلام
7 - من رآه مميزا غير بالغ مسلما واستمر على إسلامه حتى مات.
8 - من رآه طفلا مسلما واستمر على إسلامه حتى مات.
9 - من عاش معه طويلا كافرا، ثم أسلم بعد وفاته.
وهناك أقوال أخرى لا تستحق الذكر في هذا المقام.
والتحقيق أن وصف الصحبة ليس وصفا يمنح وإنما هو شرف يستحق له مؤهلات وله حقوق فمن حقوقه:
(أ) صيانة صاحبه من السب والتجريح فوق صيانة المسلم، لحرمة فيه فوق حرمة الإسلام، ففي إيذائه إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول "لا تؤذوني في أصحابي" ولا شك أن الإنسان يتأذى بإيذاء صاحبه وحبيبه أكثر مما يتأذى بإيذاء غيره.
(ب) تقديره بتقدير ما قدم في خدمة الإسلام من جهاد ونشر للدعوة وإنفاق في وقت الحاجة والضيق فقد بذل نفسه وماله في سبيل الإسلام وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" قال ذلك لبعض أصحابه وكأنه عنى البعض الذي قدم.