هذه البغلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وحضر عليها غزوة حنين، كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة، وكانت حنين عقب فتح مكة، سنة ثمان، قال القاضي: ولم يرو أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة غيرها، قال: فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف الإهداء على المجيء بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، اهـ فالمعنى: وكان ابن العلماء قد أهدى له بغلة بيضاء. (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ردا على كتابه وسلمه رسوله، وفي ملحق الرواية "فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم" أي ببلدهم أي بأهل بحرهم، أي أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية.
(وأهدى إليه بردا) ظاهره أنه في مقابل إهداء البغلة، مما يبعد كلام القاضي السابق، ولا مانع من أن يكون أهدى إليه ابن العلماء بغلة بيضاء في تبوك، فأهداها النبي صلى الله عليه وسلم في الحال لأحد أصحابه، وعدم رواية ذلك لا يدل على عدم وقوعه.
(إني مسرع، فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث) في رواية البخاري "إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل" أي إني سالك الطريق القريبة، الشاقة، فمن أراد فليأت معي، يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش.
(إن خير دور الأنصار دار بني النجار) قال القاضي: المراد أهل الدور، والمراد القبائل، وإنما فضل بني النجار لسبقهم في الإسلام، وآثارهم الجميلة في الدين. ومناسبة هذه المفاضلة عودته صلى الله عليه وسلم من سفر، وغربة عن المدينة، فحين أشرف عليها ذكرها، وذكر جبلها، وحبه لها وله، فناسب ذكر محبته لأهلها، ومحبة أهلها له وجهادهم في سبيل الإسلام.
والمراد من المفاضلة بين الدور المفاضلة بين أهل الدور، ففي رواية للبخاري "خير الأنصار بنو النجار" وبنو النجار هم الخزرج، قيل سمي الجد بالنجار لأنه ضرب رجلا، فنجره، وهو ابن ثعلبة بن عمرو.
وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم.
(ثم دار بني عبد الأشهل) في رواية للبخاري "ثم بنو عبد الأشهل" وهم من الأوس، وهو عبد الأشهل من جشم بن الحارث بن الخزرج الأصفر بن عمود بن مالك بن الأوس بن حارثة، وهم رهط سعد بن معاذ، وجاء في رواية تقديم بني عبد الأشهل على بني النجار قال الحافظ ابن حجر: رواية أنس في تقديم بني النجار لم يختلف عليه فيها، وكان أنس منهم، فله مزية عناية بحفظ فضائلهم.
(ثم دار بني عبد الحارث) قال النووي: هكذا هو في النسخ "بني عبد الحارث" وكذا نقله القاضي قال: وهو خطأ من الرواة، وصوابه "بني الحارث" بحذف لفظة "عبد".
(ثم دار بني ساعدة) ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر، وسعد بن عبادة من بني ساعدة، وكان كبيرهم يومئذ.
(وفي كل دور الأنصار خير) "خير" الأولى أفعل تفضيل، والثانية اسم، أي الفضل حاصل في جميع الأنصار وإن تفاوتت مراتبه.