ثلاث لغات، قال النووي: وفي كيفية هذا النبع قولان: أحدهما: أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وينبع من ذاتها ويؤيد هذا رواية "فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه".
والثاني: يحتمل أن الله كثر الماء في ذاته، فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسها، فهو يفور من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي، وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر، وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرآه الرائي نابعا من أصابعه، وكلاهما معجزة، والأول أبلغ في المعجزة، وليس في الأخبار ما يرده، قال الحافظ ابن حجر: وهو أولى.
وفي الرواية الثانية "فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم" قال النووي: هكذا هو في الصحيحين، وهو صحيح، و"من" هنا بمعنى "إلى" وهي لغة. اهـ. وهي بمعنى ما جاء في الرواية الثالثة بلفظ "فتوضأ جميع أصحابه".
(أن أم مالك) الأنصارية، وعند ابن أبي عاصم "أن أم مالك الأنصارية جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالا بعصرها، ثم دفعها إليها، فإذا هي مملوءة، فجاءت، فقالت: أنزل في شيء، قال: وما ذاك؟ قالت: رددت علي هديتي. فدعا بلالا، فسأله، فقال: والذي بعثك بالحق. لقد عصرتها، حتى استحييت، فقال: هنيئا لك هذه البركة يا أم مالك. هذه بركة عجل الله لك ثوابها".
(كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم - في عكة لها - سمنا) أي فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السمن، ولا يستأصلها، بل يبقى في العكة بقايا، لا يغسلها ولا يمسحها، ثم يعيدها. والعكة بتشديد الكاف وبضم العين، وتفتح، وعاء صغير من جلد، يجز شعره ولا ينتف، يحفظ فيه السمن والشراب.
(فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم) أي فتذهب إلى الإناء الراجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمد يدها فيه، فتجد فيه سمنا، فتأخذ منه أدما لأولادها.
(حتى عصرته) يقال عصر الشيء، بفتح الصاد، يعصره بكسرها، إذا استخرج ما فيه من دهن أو ماء، ونحوه.
(فأتت النبي صلى الله عليه وسلم) أي فأخبرته بما حصل.
(لو تركتيها ما زال قائما) أي لو تركت العكة بدون عصر لظل السمن فيها باقيا موجودا حاضرا.
(يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير) أي يطلب منه طعاما له ولأهله، فأعطاه شعيرا، قدر كيلة، جزءا من وسق. والوسق بفتح الواو وكسرها وسكون السين، ستون صاعا.
(حتى كاله) أي كال ما بقي منه ليعرف مقدراه، فذهبت البركة بالكيل.
(لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم) أي لأكلتم منه زمنا طويلا، ولقام عندكم طعاما لكم.
(عام غزوة تبوك) وهي غزوة العسرة، وكانت في شهر رجب، سنة تسع من الهجرة، قبل حجة الوداع.