يسحب على وجهه، ويخر على قفاه، فهو مذموم شرعا وعادة فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي تلازمه ولا ينفك عنها، وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها، أو معاص ارتكبها، أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته، وقد تكون في دنياه، كشدة تعتريه أو تلازمه.
وقال المهلب: الغل يعبر بالمكروه، لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] وقد يدل على الكفر، وقد يعبر بامرأة تؤذى.
وقال ابن العربي: إنما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود، فقال: "قيد الإيمان الفتك" وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم، كقوله {خذوه فغلوه} [الحاقة: 30] وقوله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 29] وقوله {غلت أيديهم} [المائدة: 64] وإنما جعل القيد ثباتا في الدين، لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للإيمان، الذي يمنع عن المشي إلى الباطل.
وقال النووي: قال العلماء: إنما أحب القيد لأن محله الرجل، وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأما الغل فموضعه العنق، وهو صفة أهل النار.
(من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي) في الرواية الثانية عشرة "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة - أو لكأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي" وفيها "ومن رآني فقد رأى الحق" وفي الرواية الثالثة عشرة "من رآني في النوم فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي".
قال النووي: اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "فقد رآني" فقال الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة، ليست بأضغاث، ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيده "فقد رأى الحق" أي الرؤية الصحيحة، قال المازري: وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره، والمراد أن من رآه فقد أدركه - أي أدرك وتصور حقيقة ذاته وصفته - قالوا ولا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله، حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره، وتعقب بأن قد يرى خلاف صفته المعروفة، كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد، أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه، فلا يكون إدراكا وتصورا حقيقيا، وأجيب بأن معنى "من رآني في المنام" أي على صورتي وهيئتي وصفاتي الحقيقية، فقد أدرك صورتي، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار، ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض، لا مدفونا فيها، وإنما يشترط كونه موجودا، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه، أما من رآه على غير صورته وعلى خلاف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، فهو تخيل له على غير وجهه، أو هو تخيل للصفات المخالفة، وليس إدراكا، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا مدركا، لكون ما يتخيله مرتبطا بما يرى في العادة، فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية، فحاصل هذا الجواب أن من رآه بصفته فقد أدركه وتصوره، فإن الشيطان لا يتشبه به، ومن رآه على خلاف صفته الحقيقية فقد أدرك ذاته وتصورها، وتخيل صفات غير صحيحة.
وقيل في الجواب: من رآه على صفته المعروفة له في حياته فقد رآه وأدرك صفته، ومن رآه على خلاف صفته كانت رؤيا تأويل، لا رؤيا حقيقية، ولم يرتض النووي هذين الجوابين، وقال: بل الصحيح