القصيدة كلها، ورواية "أشعر" لا اعتراض عليها، ولكن اعترض على رواية "أصدق" إذ كيف يوصف كل شيء - ما خلا الله - بالبطلان؟ مع اندراج الطاعات والعبادات في ذلك، وهي حق، لا باطل، ويكون الكلام صادقا؟ وأجيب بأن المراد من "ما خلا الله" ما عداه وعدا صفاته الذاتية والفعلية، من رحمته وعذابه وغير ذلك، ثم إن الشطر الثاني عليه اعتراض أيضا، فقد ذكر ابن إسحاق عن عثمان بن مظعون أنه لما رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة، ودخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة، ورأى المشركين يؤذون المسلمين، وهو آمن، رد على الوليد جواره، فبينما هو جالس في مجلس لقريش وفد عليهم لبيد بن ربيعة - قبل أن يسلم - فقعد ينشدهم من شعره، فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان بن مظعون: صدقت، فقال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل.
فقال عثمان كذبت. نعيم الجنة لا يزول اهـ. فكيف يوصف قول لبيد بالصدق؟ وبالأصدق؟ وقد يجاب بأن مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف الصدق الشطر الأول الذي ذكره، أو أن المراد من "ما خلا الله" أي ما عداه وعدا صفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه، بما في ذلك الجنة والنار.
أسلم لبيد بعد ذلك، وسكن الكوفة، ومات بها في خلافة عثمان، وعاش مائة وخمسين سنة.
وذكره البخاري في الصحابة، قال القسطلاني: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه، بنو جعفر، فأسلم، وحسن إسلامه. اهـ. وقيل: إن عمر سأله عما قاله من الشعر في الإسلام، فقال: قد أبدلني بالشعر سورة البقرة، ولم يقل شعرا منذ أسلم.
(لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا) قال النووي: قال أهل اللغة والغريب "يريه" بفتح الياء وكسر الراء، من الورى، وهو داء يفسد الجوف، ومعناه قيحا يأكل جوفه، ويفسده.
(من لعب بالنردشير) هو النرد، عجمي معرب، و"شير" معناه حلو، وهي لعبة معروفة باسم الطاولة صندوق وحجارة، و (زهر)
-[فقه الحديث]-
قال النووي عن الشعر، نظمه، واستنشاده، وإنشاده: فيه جواز إنشاد الشعر الذي لا فحش فيه، وسماعه، سواء شعر الجاهلية وغيرهم، وأما المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه، إنما هو الإكثار منه، وكونه غالبا على الإنسان، فأما يسيره، فلا بأس بإنشاده وسماعه وحفظه.
أما عن الرواية السابعة وما بعدها، فيقول: قال أبو عبيد: قال بعضهم: المراد بهذا الشعر شعر هجي به النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد والعلماء كافة: هذا تفسير فاسد، لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه، دون قليله، وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي صلى الله عليه وسلم موجبة للكفر. قالوا: بل الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالبا عليه، مستوليا عليه، بحيث يشغله عن القرآن