وأما قوله في الرواية الخامسة عشرة "اسق ربك. أطعم ربك. وضئ ربك" فهي أمثلة، ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات، والألف في لفظ "اسق" يجوز فيه الوصل والقطع.
(لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي) "خبثت" بفتح الخاء وضم الباء، ويقال بفتح الباء، ولكن الضم أصوب قال الراغب: الخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال، والقبيح في الفعال وقال النووي: قال أبو عبيد وجميع أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم: "لقست" و"خبثت" بمعنى واحد، وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم، وتعليمهم الأدب في الألفاظ، واستعمال حسنها، وهجران خبيثها، قالوا: ومعنى "لقست" غثت، وقال ابن الأعرابي: معناه ضاقت، فإن قيل: فقد قال صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن الصلاة "فأصبح خبيث النفس كسلان"؟ قال القاضي وغيره: جوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم، مخبر هناك عن صفة غيره، وعن شخص مبهم مذموم الحال، لا يمتنع إطلاق هذا اللفظ عليه.
(فاتخذت رجلين من خشب) أي جعلت حذاءها طويلا، يرفعها.
(وخاتما من ذهب، مغلق، مطبق، ثم حشته مسكا، وهو أطيب الطيب) هكذا الرواية برفع "مغلق مطبق" خبر مبتدأ محذوف، صفة لخاتم على القطع، أي جعلت للمسك في الخاتم غلقا، يطبق على المسك، فيغلقه حيث تشاء، وتفتحه فيفوح حيث تشاء، وعند أحمد "فكانت تسير بين امرأتين قصيرتين" وكأنها كانت تسير بين طويلتين تارة، وبين قصيرتين تارة أخرى "واتخذت خاتما من ذهب، وحشت تحت فصه أطيب الطيب، المسك، فكانت إذا مرت بالمجلس حركته" بتحريك يدها "فينفح ريحه" وفي رواية أخرى لأحمد "ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل، امرأتين طويلتين تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف، فاتخذت رجلين من خشب، وصاغت خاتما، فحشته من أطيب الطيب، المسك، وجعلت له غلقا، فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس، قالت به" أي فتحت غلقه "ففاح ريحه".
(فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها) أي مرت على الناس بين المرأتين الطويلتين، فلم يعرفها الناس، ولم يميزوها عنهما.
(ونفض شعبة يده) هذا كلام أبي أسامة الراوي عن شعبة الراوي عن خليد بن جعفر عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، يصف شعبة تحريكها يدها، ليفوح المسك، يصفه عمليا بيده، فينفضها ويحركها حركات سريعة.
(من عرض عليه ريحان فلا يرده) أي من عرض عليه ريحان هدية، والريحان بفتح الراء قال النووي: قال أهل اللغة وغريب الحديث في تفسير هذا الحديث، هو كل نبت مشموم، طيب الريح، قال القاضي: ويحتمل عندي أن يكون المراد به في هذا الحديث الطيب كله، فعند أبي داود "من عرض عليه طيب" وفي صحيح البخاري "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب".
وقوله "فلا يرده" بفتح الدال، قال النووي: قال القاضي عياض: وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية، وقالوا: هذا غلط من الرواة، وصوابه ضم الدال، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال،