وهدي الإسلام، وحكى القرطبي عن المازري أن السبب في النهي أنه لما حرمت عليهم الخمر، وكانت طباعهم تحثهم على الكرم، كره صلى الله عليه وسلم أن يسمى هذا المحرم باسم يهيج طباعهم إليه عند ذكره، فيكون ذلك كالمحرك لهم، قال الحافظ ابن حجر: والذي قاله المازري ورد النهي تارة عن العنب وتارة عن شجرة العنب، فيكون التنفير بطريق الفحوى، لأنه إذا نهى عن تسمية ما هو حلال في الحال، بالاسم الحسن لما يحصل منه بالقوة مما ينهى عنه، فلأن ينهى عن تسمية ما ينهى عنه بالاسم الحسن أحرى.
وقال ابن أبي جمرة: لما كان اشتقاق الكرم - بسكون الراء - من الكرم - بفتحها، والأرض الكريمة هي أحسن الأرض، فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة، إلا عن قلب المؤمن، الذي هو خير الأشياء، لأن المؤمن خير الحيوان، وخير ما فيه قلبه. اهـ.
أما "الحبلة" فهي بفتح الحاء والباء، وحكي ضم الحاء مع سكون الباء وفتحها، هي شجرة العنب، وقيل: أصل الشجرة، وقيل: فرعها.
(لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، كلكم عبيد لله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي، وجاريتي، وفتاي وفتاتي) في الرواية الخامسة عشرة "وليقل: فتاي. فتاتي. غلامي" قال النووي: يكره للسيد أن يقول لمملوكة: عبدي وأمتي، لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك، فقال: "كلكم عبيد لله" فنهى عن التطاول في اللفظ، كما نهى عن التطاول في الفعل، في إسبال الإزار أو غيره، قال: والظاهر أن المراد بالنهي استعماله على جهة التعاظم، لا الوصف والتعريف.
(ولا يقل العبد: ربي، ولكن ليقل: سيدي) وفي ملحق الرواية "ولا يقل العبد لسيده: مولاي، فإن مولاكم الله عز وجل" وفي الرواية الخامسة عشرة "لا يقل أحدكم: اسق ربك. أطعم ربك. وضئ ربك. ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي. مولاي" قال النووي: قال العلماء: مقصود الأحاديث نهي المملوك أن يقول لسيده: ربي، لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى، لأن الرب هو المالك، أو القائم بالشيء، ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة "أن تلد الأمة ربتها أو ربها"؟ فالجواب من وجهين. أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب، وكراهة التنزيه، لا التحريم، والثاني: أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر الأحوال. واختار القاضي هذا الجواب، قال النووي: ولا نهي في قول المملوك: سيدي لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليقل: سيدي" لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب، ولا مستعملة فيه كاستعمالها، حتى نقل القاضي عن مالك، أنه كره دعاء الله بسيدي، ولم تأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد" و"قوموا إلى سيدكم" يعني سعد بن معاذ، وفي الحديث الآخر "اسمعوا ما يقول سيدكم" يعني سعد بن عبادة، فليس في قول العبد: سيدي، إشكال ولا لبس، لأنه يستعمله غير العبد والأمة، قال: ولا بأس أيضا بقول العبد لسيده: مولاي، فإن المولى وقع على ستة عشر معنى، منها: الناصر والمالك. قال القاضي: وأما رواية "ولا يقل العبد لسيده: مولاي" ملحق روايتنا الرابعة عشرة، فقد اختلف الرواة في ذكر هذه اللفظة، وحذفها أصح. اهـ.