(لا يدخلن رجل -بعد يومي هذا- على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان) "بعد يومي هذا" أي بعد لحظتي هذه، وليس المراد إباحة الدخول بقية اليوم. والمغيبة بضم الميم وكسر الغين وإسكان الياء، من غاب زوجها عنها، يقال: أغابت المرأة، أي قام بها غياب زوجها، فهو اسم فاعل من "أغاب" قال النووي: والمراد غاب زوجها عن منزلها، سواء غاب عن البلد، بأن سافر، أو غاب عن المنزل، وإن كان في البلد، هكذا ذكره القاضي وغيره، وهذا ظاهر متعين، قال القاضي: ودليله هذا الحديث، وأن القصة التي قيل بسببها كان أبو بكر رضي الله عنه غائباً عن منزله، لا عن البلد.

ثم قال النووي: وظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة، لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك. اهـ أي هناك وصف ملاحظ، والمعنى إلا ومعه رجل ثقة أو اثنان ثقتان.

(كان مع إحدى نسائه) هي صفية، رضي الله عنها، كما سيأتي، ففي الرواية الخامسة عنها رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب" أي لأرجع إلى بيتي" "فقام معي ليقلبني" بفتح الياء وسكون القاف، أي ليردني ويوصلني إلى بيتي، وفي رواية للبخاري "حتى إذا بلغت باب المسجد، عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار .... " وفي الرواية السادسة "أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة" أي وقتاً من الزمن "ثم قامت تنقلب، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها" وعند عبد الرزاق "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد، فاجتمع إليه نساؤه، ثم تفرقن، فقال لصفية: أقلبك إلى بيتك، فذهب معها، حتى أدخلها بيتها" وفي رواية "كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وعنده أزواجه، فرحن، وقال لصفية: لا تعجلي حتى أنصرف معك" قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن اختصاص صفية بذلك، لكون مجيئها تأخر عن رفقتها، فأمرها بتأخير التوجه، ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده، أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليها، أو كان مشغولاً، فأمرها بالتأخر، ليفرغ من شغله، ويشيعها، وكانت بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد.

(فمر به رجل، فدعاه. فقال: يا فلان، هذه زوجتي فلانة) في الرواية الخامسة "فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما" بكسر الراء، ويجوز فتحها، والرسل الهينة والتؤدة وترك العجلة، أي امشيا على هينتكما، فليس هنا شيء تكرهانه، وفي رواية فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "تعاليا" وفي رواية "فلما أبصره دعاه، فقال: تعال" وفي رواية للبخاري "فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نفذا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما" وفي رواية "فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجازا" أي مضيا، يقال: جاز، وأجاز بمعنى، ويقال: جاز الموضع إذا سار فيه، وأجازه إذا قطعه وخلفه، وعند ابن حبان "فلما رأياه استحييا فرجعا" قال الحافظ ابن حجر: فأفاد سبب رجوعهما، وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما، بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما.

وقد رد ابن التين رواية "رجل" وقال: إنها وهم، والصحيح رجلان، ثم قال: يحتمل تعدد القصة، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: الأصل عدم التعدد وعدم الوهم، بل هو محمول على أن أحدهما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015