والكفين، أمام الرجال الأجانب، لكن ماذا يفعلن عند الخروج، وهو ضرورة؟ لقد تلففت سودة رضي الله عنها في ثيابها تلففاً كاملاً، لا يبدو منها شيء، وخرجت لقضاء حاجتها ليلاً بعد العشاء، خرجت إلى مكان قضاء الحاجة، وكانت طويلة جسيمة لا تختلط بغيرها من النساء عند من يعرفها، ورآها عمر وهي في طريقها، فناداها: يا سودة، قد عرفناك، فلا ينبغي أن تخرجي، يرجو عمر بذلك أن ترجع، وأن يفرض عليها وعلى أمهات المؤمنين الحجاب الكامل، فلا يخرجن أبداً، يرجو بذلك أن ترجع وتشكو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حصل، فينزل الوحي ثانية بمنع خروجهن، بعد أن نزل بستر أجسامهن، أو لعله فهم من آية الحجاب {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53] أنها تلزمهن بستر شخوصهن، فلا يخرجن إلا في صندوق أو هودج مثلاً، فأراد أن يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفهم، ورجعت سودة تحكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حصل، تعلم أنه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، لكن الأمر لا يقبل الانتظار، كيف تقضي حاجتها إذن لو منعت من الخروج؟ ودخلت عليه في بيت عائشة، وكان يتعشى،
ممسكاً في يده قطعة عظم، عليها بقايا لحم، ينهش منه، تكلمت، وتوقف صلى الله عليه وسلم عن الأكل، وفي الحال بدا عليه أعراض نزول الوحي، ولم يلبث إلا قليلاً حتى سري عنه، ومازالت العظمة بلحمها في يده، فقال لسودة والكلام لأزواجه صلى الله عليه وسلم جميعهن قال: أذن الله لكن أن تخرجن لقضاء حاجتكن، كما خرجت سودة، ولا حرج عليها، ولا يحل لعمر ولا لغيره أن يعترض عليكن إذا خرجتن.
وهكذا قرر الإسلام حماية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حماية لا حرج فيها ولا مشقة، وحال بينهن وبين المغالاة التي كان يطلبها عمر رضي الله عنه وعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين.
-[المباحث العربية]-
(خرجت سودة بعد ما ضرب عليها الحجاب) في الرواية الثانية "فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة من الليالي عشاء" أي بعد ما ضرب الحجاب على أمهات المؤمنين سنة خمس من الهجرة على أصح الأقوال، ليلة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش وأم المؤمنين سودة بنت زمعة، كانت زوجة لابن عم لها، اسمه السكران بن عمرو فتوفي عنها، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد موت خديجة، وأسنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، تبتغي بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(لتقضي حاجتها) التي يقضيها الناس، وهي التبرز والتغوط، ولم يكن لهم كنف يقضون فيها حاجتهم، بل كان النساء الحرائر يخرجن ليلاً إلى الصحراء، فيقضين حاجتهن، ويرجعن، وفي الرواية الثانية "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن" -أي إذا أردن التبرز، ففيه مجاز المشارفة- "إلى المناصع" أي يخرجن إلى المناصع، كغيرهن من النساء، والمناصع بفتح الميم والصاد المكسورة، جمع منصع، والمناصع مواضع خارج المدينة، وصف المنصع في الرواية بأنه "صعيد أفيح" أي أرض متسعة ومكان واسع،