طلب الإذن صريحاً والمشهور في ذلك لفظ "أأدخل"؟ وجوز أن يكون بما يفهم منه ذلك مطلقاً، وجعلوا منه التسبيح والتكبير ونحوهما، مما يحصل به إيذان أهل البيت، فقد روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قلنا: يا رسول الله، ما الاستئناس؟ فقال: "يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة، يتنحنح، يؤذن أهل البيت" ثم قال النووي: واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام على الاستئذان؟ أو تقديم الاستئذان على السلام؟ والصحيح الذي جاءت به السنة، وقاله المحققون أنه يقدم السلام، فيقول: السلام عليكم، أأدخل؟ .
والقول الثاني: يقدم الاستئذان، والثالث، وهو اختيار الماوردي من أصحابنا، التفصيل: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله، قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان، في تقديم السلام. اهـ
بل أكثر من حديثين فقد أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "السلام قبل الكلام" وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد، عن أبي هريرة، فيمن يستأذن قبل أن يسلم، قال: "لا يؤذن له حتى يسلم" وأخرج ابن أبي شيبة، وابن وهب في كتاب المجالس، عن زيد بن أسلم قال: أرسلني أبي إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فجئته، فقلت: أألج؟ فقال: ادخل، فلما دخلت قال: مرحباً يا ابن أخي. لا تقل: أألج؟ ولكن قل: السلام عليكم، فإذا قيل: وعليك، فقل: أأدخل؟ فإذا قالوا: ادخل فادخل" وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد, عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام على رسول الله. السلام عليكم. أيدخل عمر"؟ .
والحكمة في الاستئذان أن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره، واطلع على ما لم يحب صاحب البيت الاطلاع عليه، قال الحافظ ابن حجر: وقد ورد التصريح بذلك فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ثوبان، رفعه "لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل" أي صار في حكم الداخل. اهـ
وروايتانا الثامنة والتاسعة توضحان الحكمة صراحة، وفيهما "إنما جعل الإذن من أجل البصر" وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "من كان يشهد أني رسول الله فلا يدخل على أهل بيت، حتى يستأذن ويسلم، فإذا نظر في قعر البيت، فقد دخل".
وفي الكشاف: إنما شرع الاستئذان لئلا يقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولم يشرع لئلا يطلع الداخل على العورة فقط، ولا إلى ما لا يحل النظر إليه فقط، وعليه فقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الاستئذان من أجل النظر" خارج مخرج الغالب، فعلى الأعمى أن يستأذن، كراهة اطلاعه -بواسطة السمع أو غيره على ما لا يحب أهل البيت أن يطلع عليه.
وظاهر الآية مشروعية الاستئذان إذا أريد الدخول على المحارم، وقد أخرج مالك في الموطأ، عن عطاء بن يسار "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي؟ قال: نعم. قال: ليس لها خادم غيري؟ أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا قال: فاستأذن عليها".