وكان عمر قد استعمله على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فحاسبه عمر عليها ثم عزله، ثم دعاه ليستعمله، فأبى، ثم أراد علي رضي الله عنه أن يستعمله، فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة حتى مات بها سنة تسع وخمسين على أرجح الأقوال.

فقوله في روايتنا "وهو أمير على البحرين" معناه: وقد كان قبل ذلك أميراً على البحرين، وأما قوله "خلوا الطريق" أو قوله "قد جاء الأمير" أو ضربه الأرض برجله فقد كان منه من قبيل التهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لبعث الرهبة في نفوس المأمورين، للسمع والطاعة، ولم يكن للفخر والخيلاء والتعالي، فأبو هريرة معروف من هو.

(بينما رجل يمشي، قد أعجبته جمته وبرداه، إذ خسف به الأرض) الجمة بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة، هي مجتمع الشعر المتدلي من الرأس إلى المنكبين، وإلى أكثر من ذلك، وفي رواية للبخاري "مرجل جمته" بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم، وترجيل الشعر تسريحه ودهنه، و"برداه" ثوباه، وفي الرواية التاسعة "يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه" وفي ملحقها "يتبختر في بردين" وفي ملحقها الآخر "يتبختر في حلة" وقد سبق أن الحلة إنما تكون من ثوبين.

قال النووي: قيل: يحتمل أن هذا الرجل من هذه الأمة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا سيقع، وقيل: بل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة، وهذا هو الصحيح، وهو معنى إدخال البخاري للحديث في باب ذكر بني إسرائيل. اهـ

وفي ملحق الرواية التاسعة "إن رجلاً ممن كان قبلكم" وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى من حديث أنس، قال الحافظ ابن حجر: وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب، قال: "كنت أقود ابن عباس، فقال: حدثني العباس قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل رجل يتبختر في ثوبين ... " فهو ظاهر في أنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فسنده ضعيف، والأول صحيح، ويحتمل التعدد، أو الجمع بأن المراد من كل قبل المخاطبين بذلك، كأبي هريرة، فقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى، وأصله عند أحمد ومسلم "أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها، فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ فقال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ما حدثتكم بشيء، سمعت ... " الحديث، وقال في آخره: فوالله ما أروي؟ لعله كان من قومك".

وقد أخرج الطبري في التاريخ أن هذا الرجل هو قارون، لأنه لبس حلة، فاختال فيها، فخسف به الأرض، وروى الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا أنه خسف بقارون كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.

والمراد من إعجابه بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم.

(فهو يتجلجل في الأرض، حتى تقوم الساعة) في الرواية التاسعة "فهو يتجلجل فيها إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015