تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات مسلم "فلا يقربن مسجدنا" وحجة الجمهور رواية "فلا يقربن المساجد" ويوجه الجمهور رواية "مسجدنا" بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته، عند توجهه إلى خيبر، أو عند عودته منها إلى المدينة وقتما قال هذا القول، أو المراد بالمسجد الجنس، والإضافة إلى المسلمين، أي فلا يقربن مسجد المسلمين.
وقد روى البخاري "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا" قال الحافظ ابن حجر: ليس في هذا تقييد النهي بالمسجد، فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد، كمصلى العيد، والجنازة، ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس، لكن التمسك بهذا العموم أولى، ويؤكده قوله في بعض الروايات "وليقعد في بيته".
(ج) وقد روى البخاري أن الراوي قيد النهي عن أكل الثوم بالنيئ منه، غير المطبوخ، وقد روى مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب في أواخر أيامه، فقال: "ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً أي فليمت رائحتهما بالطبخ، ليكسر قوتهما وحدتهما. وقد يطلق النيئ على ما هو أعم من ذلك، وهو ما لم ينضج، فيدخل فيه ما طبخ قليلاً، ولم يبلغ النضج، لكن ظاهر حديث أبي أيوب أن الثوم كان مطبوخا، وامتنع منه صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنه لم يكن تام النضج، ظاهر الرائحة، ورد هذا بأنه صلى الله عليه وسلم قال لغيره: كل. فلو كان نيئاً لم يأمر بأكله من سيحضر الجماعات. قال الحافظ ابن حجر: ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخاً، وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخاً، فقد علل ذلك بقوله "إني لست كأحد منكم" وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب: ذكر ما خص الله نبيه به، من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخاً.
ويلحق بالثوم في حكم النهي عن أكله البصلة والكراث، فعند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكرات" وفي الطبراني الصغير التنصيص على ذكر الفجل في الحديث، وعن مالك: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم، وقيده القاضي عياض بالجشاء.
وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر، أو به جرح له رائحة، وألحق بعض الشافعية المجذوم بآكل الثوم في المنع من المسجد، وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع ذات الروائح الكريهة كالسماك وأصحاب العاهات، ومن يؤذي الناس بلسانه أو بحركاته، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرض.
(د) وأما عن الشعبة الرابعة فيقول النووي: وقد اختلف أصحابنا في الثوم. هل كان حراماً على