وفي المراد بكون مائها شفاء للعين أقوال:
الأول: أن ماءها صرفاً، دون خلط، إذا عصرت وجعل الماء في العين، فإنها تبرأ بإذن الله. قال النووي: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان أعمى وذهب بصره حقيقة، فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً، فشفي، وعاد إليه بصره، فالصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقاً. اهـ وقد أخرج الترمذي في جامعه، بسند صحيح إلى قتادة، قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ، أو خمساً أو سبعاً، فعصرتهن، فجعلت ماءهن في قارورة، فكحلت به جارية لي، فبرئت.
الثاني: كالأول مع التقييد بقوة الاعتقاد في هذا الحديث، والعمل به، ومن أشار إليه النووي كان صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث، وتبركاً به، فنفعه الله به.
الثالث: أن ماءها صرفاً، دون خلط، يضر ولا يشفي، وقد حكى إبراهيم الحربي عن صالح وعبد الله ابني أحمد بن حنبل أنهما اشتكت أعينهما، فأخذا كمأة، وعصراها، واكتحلا بمائها، فهاجت أعينها ورمداً، وقال ابن الجوزي: حكى شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي أن بعض الناس عصر ماء كمأة، فاكتحل به، فذهبت عينه.
الرابع: أن ماءها بارداً يابساً لا يفيد، وإنما تؤخذ، فتشق، وتوضع على الجمر، حتى يغلي ماؤها، ثم يكتحل بمائها، وهو فاتر، فيشفى بإذن الله.
الخامس: أن يخلط ماؤها في الأدوية التي نكتحل بها، فيفيد بإذن الله، وقد حكى أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا: أكل الكمأة يجلو البصر.
السادس: أن المراد من ماء الكمأة ماؤها الذي نبت به، فإنه أول مطر يقع في الأرض، حكاه ابن الجوزي. قال ابن القيم: وهذا أضعف الوجوه.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى، من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، فالكمأة في الأصل نافعة، لما اختصت به من وصفها بأنها من الله، وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة، واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله، ويدفع الله عنه الضرر بنيته، والعكس بالعكس. اهـ وقال الخطابي: إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها الحلال المحض يجلو البصر، والعكس بالعكس. اهـ
والحق أن كلام الحافظ ابن حجر والخطابي لا يقبل أخذهما على إطلاقهما، فماء المطر من الحلال المحض، الذي ليس في اكتسابه شبهة، وكثير من الحشائش من الله، والأولى أن نقول: إن بعض الأعشاب لها خصائص الشفاء، وترتبط هذه الخصائص بالتربة والنوع والكمية، وقد تشفي عين شخص، ولا تشفي عين آخر، وقد تشفي مرض عين، ولا تشفي مرضاً آخر، وقد تتغير خصائصها من وقت لآخر، فتشفى في زمن ولا تشفي في آخر، فحاصل معنى الحديث: ماء كمأتكم في هذا الزمن شفاء لبعض أمراض عيونكم. والله أعلم.