(قال شعبة: هو ظني، وهو فيه إن شاء الله "إلقاء النوى بين الإصبعين") أي قال شعبة عبارة "إلقاء النوى بين إصبعين" أشك في كونها مروية في الحديث، أو هي من استنباطي وفهمي، وأرجح أنها منه إن شاء الله، فهو متردد شاك، وفي الطريق الثاني، ملحق الرواية الأولى جزم بإثبات هذا القول في الحديث، ولم يشك، قال النووي: فهو ثابت بهذه الرواية، وأما رواية الشك فلا تضر، سواء تقدمت على هذه، أو تأخرت، لأنه تيقن في وقت، وشك في وقت، فاليقين ثابت، ولا يمنعه النسيان في وقت آخر.
(فقال أبي -وأخذ بلجام دابته- ادع الله لنا) جملة "وأخذ بلجام دابته" معترضة بين القول والمقول، وقد جاء أن دابة الرسول في ذاك الوقت كانت بغلة يسمونها حمارة شامية.
(يأكل القثاء بالرطب) "القثاء" بكسر القاف، هذا المشهور، وفيه لغة بضمها، ولغة بفتحها، مع تشديد الثاء في كل، وهي نبات معروف، يشبه الخيار، لكنه أطول، أي يقطع بأسنانه قطعة من القثاء، ويلحقها في فمه برطبة، أي ثمرة نخل نضجت قبل أن تصير تمراً، وروي أنه كان يقول: يكسر حر هذا برد هذا.
(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعياً يأكل تمراً) أي جالساً على إليتيه، ناصباً ساقيه وفخذيه.
(فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه) أي يفرقه على من يراه أهلاً لذلك، قال النووي: وهذا التمر كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرع بتفريقه صلى الله عليه وسلم، فلهذا كان يأكل منه.
(وهو محتفز) أي مستعجل، يقال: حفزه إلى الأمر إذا حثه عليه، وتحفز في جلسته انتصب فيها غير مطمئن، واحتفز أي تحفز، قال النووي: وهو بمعنى قوله "متعباً" وهو أيضاً معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، في صحيح البخاري وغيره "لا آكل متكئاً" على ما فسره الإمام الخطابي، فإنه قال: المتكئ هنا المتمكن في جلوسه، من التربع وشبهه، المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو متكئ، ومعناه: لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام، ويقعد له متمكناً، بل أقعد مستوفزاً، وآكل قليلاً.
(يأكل منه أكلاً ذريعاً) في ملحق الرواية "أكلا حثيثاً" وهما بمعنى، وفي كتب اللغة: الذروع والذريع الخفيف السير، واسع الخطو من الإبل والخيل، والحثوث والحثيث السريع الجاد في أمره، وفي القرآن الكريم {يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً} [الأعراف: 54] ويقال: ولى حثيثاً، أي مسرعاً حريصاً، وإنما كان صلى الله عليه وسلم مستعجلاً لانشغاله بأمور أخرى، فأسرع في الأكل، ليقضي حاجته منه، ويرد جوعته، فيذهب إلى ذلك الشغل.
(وقد كان أصاب الناس يومئذ جهد) بفتح الجيم المشقة، وبضمها الوسع والطاقة، فالفتح أولى.