يجلس الآكل حين الأكل؟ وكيف يدار الطعام والشراب على الآكلين؟ وكيف لو يجمع الآكل بين تمرتين أو لقمتين في دفعة واحدة؟ وكيف يرضى بالقليل ويحمد عليه، تمر، أو كسر من الخبز، أو خل، وكيف يحرص على التجمع على الطعام، ويدعو إليه، ويشرك غيره في طعامه ولو كان قليلاً؟ وكيف ينزل الناس منازلهم، ويكرم كرماءهم؟ وكيف يتحاشى في طعامه أطعمة كريهة الرائحة، أو ذات أثر كريه، كالثوم والبصل والكرات إذا كان سيجتمع بالناس، لمناسبة من المناسبات.
وهكذا نجد الإسلام يرسم الطريق الصحيح لبناء مجتمع متكامل، يسوده التواد والمحبة والتلاقي والقبول وعدم الاشمئزاز والنفور.
يربي أبناءه على القناعة وعدم الشره، والإيثار وعدم الأثره، ليدوم التآلف والوئام بين المسلمين.
-[المباحث العربية]-
(عبد الله بن بسر) بضم الباء وسكون السين، السلمي، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، هو وابناه وابنته، نزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فقدم له طعاماً.
(فقدمنا إليه طعاماً ووطبة) قال النووي: هكذا رواية الأكثرين "وطبة" بفتح الواو، وسكون الطاء، بعدها باء، وهكذا رواه النضر بن شميل، راوي هذا الحديث عن شعبة، والنضر إمام من أئمة اللغة، وفسره النضر، فقال: والوطبة الحيس، يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن، وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي البرقاني وآخرون، وهكذا هو عندنا في معظم النسخ، وفي بعضها "رطبة" بالراء المضمومة وفتح الطاء، وكذا ذكره الحميدي وقال: هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم "رطبة" بالراء، قال: وهو تصحيف من الراوي، وإنما هو بالواو. قال النووي: وهذا الذي ادعاه على نسخ مسلم هو فيما رآه هو، وإلا فأكثرها بالواو، وكذا نقله الأكثرون عن نسخ مسلم، ونقل القاضي عياض عن رواية بعضهم في مسلم "وطئة" بفتح الواو، وكسر الطاء، بعدها همزة، وادعى أنه الصواب، وهكذا ادعاه آخرون، والوطئة بالهمز عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر، كالحيس. قال النووي: هذا ما ذكروه، ولا منافاة بين هذا كله، فيقبل ما صحت به الروايات وهو صحيح في اللغة. اهـ والظاهر أن الواو في "ووطبة" لعطف التفسير، والمعنى: قدمنا إليه طعاماً أي وطبة، ويحتمل أنه من عطف الخاص على العام، إذا كان قد قدم له مع الوطبة خبز ولحم وغيرهما.
(ثم أتي بتمر، فكان يأكله، ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى) الصورة المتبادرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ التمرة من الإناء بأصابعه الثلاث، الإبهام والسبابة والوسطى، كما سبق توضيحه، فيقضم التمرة، ويأكلها، ويخرج نواتها، ممسكاً بالنواة بين إصبعيه السبابة والوسطى، فيلقي بها خارج الإناء، ولا يلقيها في إناء التمر لئلا تختلط بالتمر، أما قول النووي: وقيل: كان يجمعه على ظهر الإصبعين، ثم يرمي به، فهو قول بعيد، لصعوبة الجمع على ظهر الإصبعين.