وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته وأزواجه بهذه السياسة، فعند البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد -أي حيوان- إلا شطر شعير، في رف لي، فأكلت منه، حتى طال علي، فكلته، ففني".
وعنها رضي الله عنها "كان يأتي علينا الشهر، ما نوقد فيه ناراً، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم" وفي رواية لها "إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه".
أما أصحابه رضي الله عنهم فقد سمعوا منه قوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15] أي تشغل البال عن الطاعة والقيام بحق الله، وقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين* فلما ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون* فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 75 وما بعدها] وقوله تعالى {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: 14] وقوله تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} [هود: 15] وقوله تعالى {ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 1، 2] وقوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى} [العلق: 6 - 7] وقوله تعالى {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين* نسارع لهم في الخيرات} [المؤمنون: 55، 56] أي أيظنون أن المال الذي نرزقهم إياه، لكرامتهم علينا، إن ظنوا ذلك أخطئوا، بل هو استدراج {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} [آل عمران: 178] وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض" يدعو صلى الله عليه وسلم على الجامع للمال، القائم على حفظه، المتكالب على الاستيلاء عليه من حله ومن غير حله، المستميت في السعي وراءه، الخادم له، كأنه عنده، يدعو صلى
الله عليه وسلم على من هذه حاله بالتعاسة، نقيضاً لقصده، وقوله صلى الله عليه وسلم "إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال" وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الأكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم" وقوله صلى الله عليه وسلم "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس" وقوله لأبي ذر: يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم. قال: وترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب: أي ليس الغنى حقيقة كثرة المال، لأن كثيراً ممن وسع الله عليهم في المال لا يقنعون بما أوتوا، فهم يجتهدون في الاستزادة، ولا يبالون من أين يأتيهم، فكأنهم فقراء، لشدة حرصهم، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو الذي استغنى بما أوتي، وهو الذي قنع ورضي، ولم يلح في الطلب، فكأنه غني، وإن الغنى النافع العظيم الممدوح هو غنى النفس، فإن الإنسان إذا