1 - أما النقطة الأولى فقال النووي: إن المدعو إذا تبعه رجل، بغير استدعاء، ينبغي له أن لا يأذن له، وينهاه، وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به، ليأذن له، أو يمنعه، وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له، إن لم يترتب على حضوره مفسدة، بأن يؤذي الحاضرين، أو يشيع عنهم ما يكرهونه، أو يكون جلوسه معهم مزرياً بهم، فإن خيف من حضوره شيء من هذا لم يأذن له، وينبغي أن يتلطف في رده، ولو أعطاه شيئاً من الطعام كان حسناً، إن كان يليق به، ليكون رداً جميلاً. اهـ
وهذه قضية الرواية الأولى، وقد أخذ منها الحافظ ابن حجر: أن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه، فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه.
كما أخذ منها أن من قصد التطفيل لم يمنع ابتداء، لأن الرجل تبع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرده، لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالإذن له.
قال: وينبغي أن يكون هذا الحديث أصلاً في جواز التطفيل، لكن يقيد بمن احتاج إليه، وقد جمع الخطيب في أخبار الطفيليين جزءاً، فيه عدة فوائد، منها أن الطفيلي منسوب إلى رجل يقال له: طفل، من بني عبد الله بن غطفان، كثر منه الإتيان إلى الولائم بغير دعوة، فسمي طفيل العرائس، فسمي من اتصف بعد بصفته طفيلياً.
ثم قال الحافظ: واستدل به على منع استتباع المدعو غيره -أي عدم دعوة المدعو لغيره ليصحبه- إلا إذا علم من الداعي الرضا بذلك. اهـ وهذا المأخذ غير واضح من الحديث، فإن الرواية الأولى ليس فيها استتباع، ولا منع استتباع، ولا يؤخذ من عدم الفعل المنع لكن قد يؤخذ من الرواية الثانية إذ منع صلى الله عليه وسلم من الاستتباع، فأقره والتزم به، على أن قصة جابر وأبي طلحة والخياط لا تؤيد هذا المأخذ، إلا أن يقال: إن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره في هذه الأحاديث كانت دعوة لما صار حقاً له، واستدل به على أن الطفيلي يأكل حراماً، وقد روي عن ابن عمر مرفوعاً "من دخل بغير دعوة دخل سارقاً، وخرج مغيراً" وهو حديث ضعيف، رواه أبو داود، وقال الشافعية: لا يجوز التطفيل، إلا لمن كان بينه وبين صاحب الدار انبساط. اهـ وينبغي أن يقيد بما إذا قبله صاحب الدار بقبول حسن.
أما الرواية الثانية ففيها أن الداعي لم يأذن لمن أراد المدعو استصحابه، وهذا حقه فقد لا يكفي طعامه غير المدعو، فيحرج، وقد يتكره صاحب الدار دخوله، استثقالاً له، أو لأمر ما، ولم يستخدم جابر وطلحة هذا الحق، إما لأنهما علما بركة النبي صلى الله عليه وسلم ورجواها، وإما لأن بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم من المودة والإجلال له ما يمنعهما من ذلك، لكن هل من حق المدعو لوليمة أن يمتنع من الإجابة، إذا امتنع الداعي من الإذن لمن أراده المدعو؟ ظاهر الحديث أن له ذلك، لكن الحافظ ابن حجر يقول: ليس له أن يمتنع، ويجيب عن هذه الرواية بأن الدعوة لم تكن لوليمة، وإنما صنع الفارسي طعاماً، قال: ويستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو، كما في قصة اللحام، بخلاف الفارسي، فلذلك امتنع من الإجابة إلا أن يدعوها.
2 - أما عن النقطة الثانية -ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الضيق في الرزق-