وإذا كان الوحي قد جاء بالاعتراض على امتناعه من أكل شيء حلال، إرضاء لأزواجه، فنزل بقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} [التحريم: 1].

وإذا كان الوحي قد جاء بالاعتراض على خلجات قلبه صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37].

إذا كان الله يعدل سلوك نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أرقى أنواع السلوك، ليكون قدوة وأسوة لأمته، حيث أمرت بالاقتداء به: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21] كان كل ما أقره الوحي تشريعاً من الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، مع مراعاة أن الظروف المحيطة بالتشريع جزء من هذا التشريع، كما سبقت الإشارة إليها في معنى الباب السابق.

وكانت محاولة البعض إخراج بعض الأمور الجبلية الاختيارية كالأكل والشرب من التشريع، محاولة تمرد على السنة النبوية، والرسالة المحمدية.

وهذه الأحاديث التي نحن بصددها أنموذج موضح لطرف من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطعمه ومشربه.

كان يجوع أحياناً، فلا يجد في بيته ما يقيم به صلبه، فيربط الحجر على بطنه، ويشد العصابة على جوفه، ويتلوى على الأرض من عض الجوع، وما كان ذلك هواناً من الله، فهو صاحب الوسيلة والفضيلة والشفاعة والمقام المحمود والمنزلة الرفيعة في الجنة، ولكنه كان نبراساً لفقراء الأمة المستقيمين على الشريعة الحقة، أن فقرهم لا ينقصهم عند ربهم، وأنه رب أشعث أغبر، حافي القدمين، لو أقسم على الله لأبره، ورب فقير لا يؤبه له، خير من ملء الأرض من الأغنياء الذين يرهبون وكان بعض أصحابه المقربون إليه، وزيراه اللذين كانا خليفتيه، أبو بكر وعمر، يجوعان، فيخرجهما الجوع من بيوتهما، يلتمسان سد الجوعة بطريق حلال.

وكان بعض من آتاه الله من فضله يعرف ذلك، ويسارع في إكرامهم واستضافتهم، تارة يدعوهم إلى بيته وطعامه، كما فعل الأنصاري، صاحب الغلام اللحام في الحديث الأول، وكما فعل الفارسي في الحديث الثاني، وكما فعل جابر في الحديث الخامس، وكما فعل أبو طلحة، زوج أم أنس، كما هو ظاهر في بعض الأحاديث، وكما فعل الخياط في الحديث الثاني عشر وما بعده.

وتارة يبعث الهدية والطعام، كما هو ظاهر في بعض أحاديث أنس رضي الله عنه.

وتارة كان صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى بعض أصحابه، فيزورهم هو ومن معه، ابتغاء أن يطعموهم ويتحفوهم كأضياف، كما في الحديث الثالث.

وفي كل هذه الأحوال تدخل التشريعات الإلهية الفرعية، الضيف المدعو يتبعه ضيف لم يدع، ما موقف الضيف المدعو؟ وما موقف المضيف الداعي؟ وماذا عن المتطفل؟ الداعي يدعو واحداً، فيتمسك المدعو بأن يدعو الداعي مدعواً آخر، ما موقف الداعي؟ وما موقف المدعو من إجابة الدعوة؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015