(وقد اضطررتم فكلوا) منها، فقد أباح الله تعالى الميتة لمن كان مضطراً غير باغ ولا عاد.
(فأقمنا عليه شهراً) في الرواية الثانية "فأكلنا منها نصف شهر" وفي ملحق الرواية الخامسة "فأكل منها الجيش ثماني عشرة ليلة" قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال "ثمان عشرة" ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال "نصف شهر" ألغى الكسر الزائد، وهو ثلاثة أيام، ومن قال "شهراً" جبر كسر الشهر، أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، وقال ابن التين: إحدى الروايتين وهم. اهـ وقال النووي: طريق الجمع بين الروايات أن من روي شهراً هو الأصل، ومعه زيادة علم، ومن روي دونه لم ينف الزيادة، ولو نفاها قدم المثبت، والمشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له، فلا يلزم منه نفي الزيادة، لو لم يعارضه إثبات الزيادة، كيف وقد عارضه؟ فوجب قبول الزيادة، وجمع القاضي بينهما بأن من قال "نصف شهر" أراد المدة التي أكلوها منه طرياً، ومن قال شهراً أراد أنهم قددوه، فأكلوا منه بقية الشهر قديداً. اهـ
أقول: ويمكن الجمع بأن من قال: "خمسة عشر يوماً" نظر إلى مدة إقامتهم على الساحل خارج المدينة كجيش، ولا يخفى أن بعضهم حمل منه ما طعمه في المدينة بعد وصوله أياماً.
(حتى سمنا) أي كثر لحمنا وشحمنا، وفي الرواية الثانية "فأكلنا منها نصف شهر، وادهنا من ودكها" بفتح الواو والدال، أي شحمها، والمراد من "وادهنا" أكلنا دهناً "حتى ثابت أجسامنا" أي رجعت إلى لحمها وشحمها بعد الهزال الذي أصابها من الجوع.
(ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن) "وقب عينه" بفتح الواو وسكون القاف، داخل العين ونقرتها التي تكون فيها الحدقة، والقلال بكسر القاف جمع قلة بضمها، وهي الجرة الكبيرة، التي يقلها الرجل بين يديه، أي يحملها، والمعنى كنا نغترف الدهن من حفرة عينه بالقلال، تصويراً لسعة حدقة العين وما فيها من دهن.
وفي الرواية الثانية "وأخرجنا من وقب عينه كذا وكذا قلة ودك" بفتح الواو والدال، أي دهن وشحم.
(ونقتطع منه الفدر كالثور، أو كقدر الثور) "الفدر" بكسر الفاء وفتح الدال، جمع فدرة بكسر فسكون، وهي القطعة، أي كنا نقتطع من جسمه قطعاً، كل قطعة في حجم الثور.
قال النووي: "كقدر الثور" رويناه بوجهين مشهورين في نسخ بلادنا: أحدهما بقاف مفتوحة ثم دال ساكنة، أي مثل الثور، والثاني "كفدر" بفاء مكسورة، ثم دال مفتوحة، والأول أصح، وادعى القاضي أنه تصحيف، وأن الثاني هو الصواب، وليس كما قال.
(فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً، فأقعدهم في وقب عينه) تصوير لسعة حدقة عينه، التي ملأوا منها القلال من الدهن، فصارت كحوض مفرغ، ولنا أن نتصور طول العنبر أربعين متراً في خمسة أمتار، فرأسه عشرة أمتار في خمسة، فعينه خمسة