الرابعة "بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن ثلاثمائة، نحمل أزوادنا على رقابنا" وفي ملحق الرواية الخامسة عن جابر "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية -أنا فيهم- إلى سيف البحر" وفي ملحقها أيضاً "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى أرض جهينة، واستعمل عليهم رجلاً" "السرية" قطعة من الجيش، تخرج منه، وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة، وما افترق من السرية يسمى بعثاً، وقوله "بعثنا" لا يعطي معنى البعث، وإنما المراد منه أرسلنا كسرية، ومهمة هذه السرية كانت التعرض لعير قريش، تحمل تجارة بين الشام ومكة، للاستيلاء على العير وما تحمل، تعويضاً للمسلمين عما استولى عليه مشركو مكة من أموالهم، فمعنى "نتلقى" نعترض مسيرها، و"العير" بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة، ومعنى "نرصد عيراً لقريش" بضم الصاد، أي نرقبها ونترقب وصولها، للاستيلاء عليها، يقال: رصده رصداً، إذا قعد له على الطريق يرقبه.
ولا خلاف بين رواياتنا في عدد هذه السرية، لكن ظاهر قوله في الرواية الرابعة "نحمل أزوادنا على رقابنا" أنهم كانوا مشاة، وصريح قوله "ونحن ثلاثمائة راكب" أنهم كانوا ركباناً، فيحتمل أن بعضهم كان راكباً والبعض كان ماشياً، فغلب هؤلاء مرة، وهؤلاء مرة.
وقد ترجم البخاري لهذه السرية بباب غزوة "سيف البحر" وسيف البحر بكسر السين وسكون الياء ساحله. قال الحافظ ابن حجر: ذكر ابن سعد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية -بفتح القاف والباء- مما يلي ساحل البحر، بينهم وبين المدينة خمس ليال، وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيداً، وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان، وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيحين، لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيراً لقريش، ويقصدون حياً من جهينة، ويقوي هذا الجمع ما عند مسلم عن جابر [ملحق روايتنا الخامسة] قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى أرض جهينة" فذكر هذه القصة، لكن تلقي العير ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان، لأنهم كانوا حينئذ في الهدنة، بل مقتضى ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست، أو قبلها، قبل الهدنة، نعم يحتمل أن يكون تلقيهم للعير ليس لمحاربتهم، بل لحفظهم من جهينة، ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحداً، بل فيه أنهم قاموا نصف شهر أو أكثر في مكان واحد. و"أبو عبيدة" عامر بن عبد الله الجراح، أحد العشرة المبشرين بالجنة.
(وزودنا جراباً من تمر، لم يجد لنا غيره) في الرواية الثانية "وكان معنا جراب من تمر" لكن في الرواية الرابعة "نحمل أزوادنا على رقابنا" وفي الرواية الخامسة "ففني زادهم، فجمع أبو عبيدة زادهم في مزود، فكان يقوتنا" بضم الياء وفتح القاف وتشديد الواو المكسورة، من التقويت، أو بفتح الياء وضم القاف مخففة، يقال: قات الرجل الرجل، يقوته، قوتاً بفتح القاف، أطعمه ما يمسك الرمق، والمزود بكسر الميم وسكون الزاي، ما يجعل فيه الزاد. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب، فلما نفد جمع أبو عبيدة الزاد الخاص، واتفق أنه أيضاً كان قدر جراب، ويكون كل من الروايتين ذكر ما لم يذكره الآخر، وأما قول عياض: يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور فمردود، لأن حديث الباب صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم