تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به، ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم، فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها ببقيها" أي اطلبوا السرعة من تلك الأرض بسرعة السير عليها مادامت الإبل بنقيها وشحمها.
(وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق) قال أهل اللغة: التعريس النزول في أواخر الليل للنوم والراحة، هذا قول الخليل والأكثرين، وقال بعضهم: هو النزول، أي وقت كان، من ليل أو نهار، ويقال: أعرس المسافرون، وعرسوا بتشديد الراء، إذا نزلوا للراحة آخر الليل، وهو المراد هنا.
(فإنها مأوى الهوام بالليل) الهوام بتشديد الميم جمع هامة، وهي كل ذي سم يقتل سمه وتطلق على الدابة، أي لا تضربوا خيامكم في آخر الليل على الطريق، لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق، لسهولتها، ولتلتقط منها ما يسقط من المسافرين من مأكول ونحوه، وما تجد فيها من رمة وبقايا لحم، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد في نزوله عن الطريق، وفي رواية أبي داود "وإذا أردتم التعريس فتنكبوا عن الطريق" أي اجتنبوه، يقال: نكب عنه بفتح النون والكاف ينكب بضم الكاف نكبا بسكونها إذا مال عنه واعتزله، وتنكب فلان فلانا، إذا أعطاه منكبه وأعرض عنه.
(السفر قطعة من العذاب) أي جزء منه، والمراد من العذاب الألم الناشئ عن المشقة.
(يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه) أي يمنعه كما لها ولذيذها، لا أصلها، فعند الطبراني "لا يهنأ أحدكم بنومه ولا طعامه ولا شرابه" والجملة تعليل لما قبلها، أي استئناف تعليلي، كأنها جواب عن سؤال بلفظ "لم"؟ وقد جاء بصيغة التعليل في رواية سعيد المقبري، ولفظها "السفر قطعة من العذاب، لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه" وعند ابن عدي "وأنه ليس له دواء إلا سرعة السير". وذلك لما في السفر من المشقة والتعب، ومقاساة الحر والبرد والسير بالليل، والخوف على الأموال والأهل، ومفارقة الوطن والأصحاب، ومألوف الراحة.
(فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله) "نهمته" بفتح النون وسكون الهاء، أي حاجته "من وجهه" أي من مقصده، وعند ابن عدي "إذا قضى أحدكم وطره من سفره" وفي رواية "فإذا فرغ أحدكم من حاجته" وفي رواية "فليعجل الرجوع إلى أهله" وفي رواية "فليعجل الكرة إلى أهله" وفي رواية "فليعجل الرحلة إلى أهله، فإنه أعظم لأجره" والمقصود تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء الشغل، ولا يتأخر بما ليس له بمهم.
(كان لا يطرق أهله ليلا) أي في الليل.
(وكان يأتيهم غدوة أو عشية) أي أول النهار، أو آخره، أوائل الليل، والعشى والعشية من الزوال إلى المغرب، أو من صلاة المغرب إلى العتمة، ولهذا فسر قوله في الرواية الخامسة "أمهلوا حتى ندخل ليلا" بقوله: أي عشاء. قال أهل اللغة: الطروق بضم الطاء المجيء بالليل من سفر أو غيره على