إن الله رفيق يحب الرفق، ويرضى به، ويعين عليه، فإذا ركبتم في سفركم دابة فارفقوا بها، طعاما وشرابا وراحة سير، فإذا كانت الأرض في طريقكم مخضرة وكلأ مباحا فأعطوا دوابكم حظها من الطعام والشراب، وقللوا بها السير لترعى، وإذا كانت الأرض جدباء فأسرعوا السير في حدود طاقة دوابكم، لتصلوا مقصدكم قبل أن ينهكها الجوع والعطش وطول السير.
فإذا أردتم النزول ليلا للنوم والراحة فلا تضربوا منازلكم في طريق الناس، وانحرفوا عن الطريق إلى الأرض المجاورة الصالحة للنزول، فإن الطرق في أواخر الليل يسعى إليها الزواحف السامة المؤذية والسباع المتوحشة، لتلتقط منها ما عساه يتخلف عن المسافرين من مأكول، فالنوم في طريق الناس آخر الليل يضيق على الناس، ويعرضكم للأذى.
وإذا قضى أحكم حاجته التي سافر من أجلها فليعجل العودة إلى أهله، ليتخلص من عذاب السفر، وليريح أهله ومن غاب عنهم من آلام غيبته.
وإذا رجع مسافركم إلى بلد إقامته فلا يفاجئ أهله بالوصول بعد طول غيبة، بل يخطرهم بموعد وصوله قبل الوصول بزمن تستعد فيه الزوجة للقائه بما ينبغي له من النظافة والزينة، حتى لا يرى ما يكره، وحتى لا تنفر نفسه من أهله، ولئلا يرى شيئا يريب، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فنعم الإسلام ونعم آداب الإسلام في الحل والترحال.
-[المباحث العربية]-
(إذا سافرتم في الخصب) بكسر الخاء وسكون الصاد، وهو كثرة العشب والمراعي، وهو ضد الجدب، يقال: خصب المكان، بكسر الصاد يخصب بفتحها، وأخصب المكان، وأخصب الله المكان، فالمكان خصب وخصيب، والمعنى إذا سافرتم بالإبل في أرض كثيرة المرعى.
(فأعطوا الإبل حظها من الأرض) في رواية أبي داود "فأعطوا الإبل حقها" أي فقللوا السير واتركوا الإبل ترعى في بعض النهار، وأثناء السير، فتأخذ حظها من الأرض، بما ترعاه منها.
(وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير) المراد بالسنة هنا القحط، وهي بفتح السين والنون، وجمعها سنون وسنوات، ومنه قوله تعالى {ولقد أخذنا ءال فرعون بالسنين} [الأعراف: 130] أي بالقحط، أي إذا سافرتم بالإبل في الجدب والقحط فعجلوا السير، وفي الرواية الثانية "وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها" بكسر النون وسكون القاف، وهو المخ، مخ العظم، والنقو بكسر النون وفتحها كل عظم ذي مخ، والجمع أنقاء، أي إذا سافرتم بالإبل في أرض جدبة فأسرعوا السير، لتحتفظوا بمخ عظامها، وتصلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوتها، فتقليل السير بها في الأرض الجدبة يلحقها الضرر، لأنها لا تجد ما ترعاه، ويطول بها الزمن، فتضعف، ويذهب نقيها ومخ عظامها، وربما كلت وتعبت وتوقفت، فعليكم بالرفق، وقد جاء صدر هذا الحديث عند مالك في الموطأ بلفظ "إن الله