قال الطبري: إذا كان أصل الباعث هو أن تكون كلمة الله هي العليا لا يضره ما عرض له بعد ذلك. وبذلك قال الجمهور، وعزاه ابن أبي جمرة للمحققين، فقال: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه. اهـ. أي حتى لو قصد شيئا من الدنيا تبعا لقصد إعلاء كلمة الله، واستدل له الحافظ ابن حجر بما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم شيئا، فقال: "اللهم لا تكلهم إلي" الحديث، فهذا يدل على أن المغنم كان مقصدا مشروعا.

القول الثاني أن القتال في سبيل الله شرطه صفاء القصد وخلوصه لتكون كلمة الله هي العليا، بحيث لا يشوبه قصد دنيوي، ولو على سبيل الإضافة والضم، ولا يضر حصول الدنيا من غير قصد، واستدلوا بما رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي أمامة بإسناد جيد قال: "جاء رجل" فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر؟ ما له؟ قال: "لا شيء له، فأعادها ثلاثا، كل ذلك يقول: لا شيء له، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغى به وجهه".

وحمله أصحاب القول الأول على من قصد الأمرين معا على حد سواء، أو غلب الهدف الدنيوي.

فالمراتب خمسة: أن يقصد الإعلاء صرفا، وهو المطلوب.

الثاني: أن يقصد الإعلاء أصلا، والدنيا تبعا، وهو غير محظور عند الجمهور.

الثالث: أن يقصدهما على حد سواء، وهو محظور.

الرابع: أن يقصد الدنيا أصلا، والإعلاء تبعا، وهو محظور.

الخامس: أن يقصد الدنيا صرفا، وهو أشدها حظرا ومنعا.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

1 - الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، قال تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5].

2 - أن العموميات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا.

3 - أن الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصا.

4 - ذم الحرص على الدنيا.

5 - ذم القتال لحظ النفس.

6 - تغليظ تحريم الرياء والسمعة.

7 - استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدي به، على إرادة الاقتداء به،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015