سبيل الله، وإنما عدل صلى الله عليه وسلم عن النفي الصريح، ولم يقل: كل ذلك ليس في سبيل الله، لئلا يحتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله، وليس كذلك، وليقطع الطريق على إيراد أحوال أخرى قد يذكرها السائلون.
والمراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام، ويحتمل أن يكون المراد من العبارة أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط، بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببا آخر من الأسباب المذكورة أخل بذلك، ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنا، لا أصلا ومقصودا، وسيأتي توضيح المسألة في فقه الحديث.
قال العلماء: وهذا الجواب من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه.
(تفرق الناس عن أبي هريرة) بعد أن حضروا عظته وذكره في المسجد، وفي ملحق الرواية "تفرج الناس عن أبي هريرة" وهي بمعنى تفرق.
(فقال له ناتل أهل الشام) في ملحق الرواية "ناتل الشامي" وهو بالنون في أوله، وبعد الألف تاء، وهو ناتل بن قيس الحزامي الشامي، من أهل فلسطين، وهو تابعي، وكان أبوه صحابيا، وكان ناتل كبير قومه.
(إن أول الناس يقضي -يوم القيامة- عليه) فصل بالظرف بين الفعل وبين نائب الفاعل، والأصل يقضي عليه يوم القيامة.
(فعرفه نعمه فعرفها) أي ذكره الله تعالى بالنعم التي أنعم بها عليه، فتذكرها، والمراد بها في الشهيد نعمة الصحة والقوة والقدرة على الجهاد، والمراد بها في العالم القارئ نعمة العلم والقرآن تعلما وتعليما، والمراد بها في الرجل الثالث سعة المال بأصنافه المختلفة.
(ما تركت في سبيل تحب أن ينفق فيها) أي ما تركت وجها من وجوه الخير.
(إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت) التكذيب هنا للقيد، وهو كلمة "لك" كما أن التكذيب في الشهيد لقيد "فيك" من قوله "قاتلت فيك" والتكذيب في العالم القارئ لقيد "فيك" في قوله "تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن" فهو قيد تنازعه تعلمت، وعلمت وقرأت، أي تعلمت العلم فيك، وعلمته فيك، وقرأت القرآن فيك.
-[فقه الحديث]-
موضوع هذه الأحاديث أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.