بل ثبتوا عليه، راغبين فيه، مراعين حقوقه على أحسن ما يكون، ولم يفعلوا مثل ما فعل المنافقون، الذين قد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار.
-[فقه الحديث]-
قال النووي عن الرواية: الأولى والثانية وقوله تعالى {غير أولي الضرر} فيه دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين، ولكن لا يكون ثوابهم ثواب المجاهدين، بل لهم ثواب نياتهم، إن كان لهم نية صالحة، كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن جهاد ونية" اهـ. والمراد هنا بالعذر ما هو أعم من المرض، كعدم القدرة على السفر، لكن أحاديث أخرى تشير إلى مشاركة من حبسه العذر عن الغزو للمجاهدين في أجورهم، فوق النية التي أشار إليها النووي، فعند البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فقال: إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر" وفي رواية "إلا شركوكم في الأجر" وسيأتي هذا الحديث في مسلم في باب ثواب من حبسه العذر عن الغزو وقد رواه أبو داود بلفظ "لقد تركتم بالمدينة أقواما، ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد، إلا وهم معكم فيه. قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر".
فظاهر هذه النصوص أن من حبسه العذر له أجر فوق النية من جنس أجر العاملين، مشاركة للعاملين في أجر حركاتهم وجهادهم، بل كلام المهلب يميل إلى المساواة، حيث قال: قوله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} يفاضل بين المجاهدين والقاعدين، ثم يستثني أولي الضرر من القاعدين، فكأنه ألحقهم بالفاضلين. اهـ. والحافظ ابن حجر يقول: فيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل، إذا منعه العذر، ويقول: وأصل تفسير ابن جريج أن المفضل عليه {غير أولي الضرر} وأما أولو الضرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد، إذا صدقت نياتهم، فقد استثنت الآية أولي الضرر من عدم الاستواء، فأفهمت إدخالهم في الاستواء، إذ لا واسطة بين الاستواء وعدمه، والمراد استواؤهم في أصل الثواب، لا في المضاعفة، لأنها تتعلق بالفعل، ونحن لا نقول بالمساواة، فالمساواة بين العاملين أنفسهم غير متحققة، بسبب اختلاف درجة الإخلاص، ودرجة الأداء ودرجة المشقة، ودرجة أثر كل منهم في تحقيق النتيجة، والذين حبسهم العذر تختلف درجاتهم أيضا بسبب درجة الحرص، ودرجة العذر، فليس من اقتنع وقنع بعدم القدرة، كالذين أتوه ليحملهم، فقال: {لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} والحق أن المساواة في الأجر وعدمها ترجع إلى الله تعالى وفضله، ولا نملك أن نحكم بها، لكن للعاملين زيادة أجر متفق عليها، كأجرهم على الكلم في سبيل الله، وأجرهم العاجل بالغنيمة، وأجر الشهداء منهم، ومضاعفة الأجر على الفعل، بقوله تعالى {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما* درجات منه ومغفرة ورحمة} [النساء: 96].
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
1 - من قوله في الرواية الأولى "فجاء بكتف يكتبها" جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف، وتقييد العلم بالكتابة.