والجبن لو حصل من بعض الجيش أثار في الجيش مثله، ولذلك يقول تعالى عن المنافقين: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} [التوبة: 47].
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد تقدم إليه صلى الله عليه وسلم رجل مشرك معروف بالقوة والشهامة والشجاعة والجرأة، فارس لا يشق له غبار، رأى محمدا وأصحابه ينتصرون على أعدائهم، ويستولون على ثرواتهم، ويقسمونها غنائم على الجيوش، للراجل سهم وللفارس سهمان، فرغب في مشاركتهم في الحرب ضد المشركين، ليشاركهم في الغنائم، فعرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخرج معه في غزوة، وهو في طريقه إلى الغزو، ففرح به الصحابة رضي الله عنهم، لما عرفوا فيه من القوة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل آمنت بالله ورسوله؟ قال: لا. ولكني سأقاتل معك من أجل المال، كالجنود المرتزقة. قال صلى الله عليه وسلم: انصرف، فأنا لا أستعين بمشرك في قتالي للمشركين، وانصرف الرجل غير بعيد، ثم رجع يعيد مطالبه، وأعاد عليه صلى الله عليه وسلم الجواب نفسه، فانصرف، ثم عاد، فقال مقالته الأولى، وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم: فأذن له في الجهاد معه، وأبلى بلاء حسنا. وهكذا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة مثلا أن يكون الجهاد جهادا لإعلاء كلمة الله، وليس للمغنم أو الشهرة أو أغراض الدنيا، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
-[المباحث العربية]-
(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر) أي خرج بأصحابه غازيا، قال النووي: هكذا ضبطناه "قبل" بكسر القاف وفتح الباء، أي جهة بدر، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه بعضهم بفتح القاف وسكون الباء، أي قبل المكان المعروف ببدر من جهة المدينة.
(فلما كان بحرة الوبرة) الباء حرف جر، والحرة بفتح الحاء والراء المشددة في الأصل أرض ذات حجارة سود، كأنها أحرقت، والوبرة بفتح الواو والباء والراء، في الأصل واحدة الوبر بفتح الواو والباء، وهو صوف الإبل والأرانب، أما الوبر بفتح الواو وسكون الباء فهو حيوان في حجم الأرنب، والأنثى منه وبرة بإسكان الباء. والمراد هنا من حرة الوبرة مكان معروف على أربعة أميال من المدينة جهة بدر.
(أدركه رجل) مشرك.
(قد كان يذكر منه جرأة ونجدة) أي كان معروفا للصحابة بالجرأة والشجاعة والإقدام.
(ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه) ظنوه جاء مسلما، ففرحوا بإسلامه، وانضمامه إلى الجيش، أو ظنوا أنه سيسمح له بالقتال في صفوفهم نجدة لهم وهو على شركه، ففرحوا بانضمام قوته إلى قوتهم.
(جئت لأتبعك) بفتح الهمزة وسكون التاء، أي لأكون تابعا لك في قتال أعدائك.