(فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب) أي فغضب أي فصار مغضبا بسبب تشفي البعض في البعض وبسبب استهانة الرعية بالولاة وكان قد سمع أن عوفا والحميري أطلقا لسانهما في خالد رضي الله عنه وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه.
(فقال: لا تعطه يا خالد) مرتين أي لا تعط القاتل سلبه مطلقا؟ أو مؤقتا؟ تنكيلا به وعقوبة له.
(هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ ) يخاطب صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك والحميري ومن يظاهرهما.
قال النووي في بعض النسخ "هل أنتم تاركو لي أمرائي" بغير نون وفي بعضها "تاركون" بالنون وهو الأصل والأول صحيح أيضا وهي لغة معروفة وقد جاءت بها أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا" اهـ.
والاستفهام مراد منه الطلب على سبيل العرض والتحضيض أي اتركوا لي أمرائي لا تنقصوا من كرامتهم ولا تستهينوا بهم فالاستهانة بهم استهانة بمن ولاهم ووثق في صلاحيتهم.
(إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم) هذا تشبيه تمثيل تشبيه هيئة بهيئة ويعود إلى تشبيهات مفردة فشبه الحاكم الأعلى براع وشبه الرعية عوف بن مالك والحميري وأضرابهما بإبله وغنمه وشبه عناية الحاكم بشعبه برعاية إبله وغنمه أكلا وشربا على أحسن ما يستطيع وشبه أعمال أمرائه بالماء صفوه وكدره فمعاملة الأمراء حسنة لا تخلو من إساءة كبشر وشبه معاملة الرعية للأمراء واستفادتهم من محاسنهم ثم تلمس أخطائهم والتشهير بهم بشرب الماء الصفو وتحميل الماء صورة الكدر وهكذا كانوا مع خالد بن الوليد سيف الله المسلول أفاد منه المسلمون النصر يوم مؤتة وهاهم يشهرون به من أجل سلب قتيل.
ثم شبه الهيئة الحاصلة من المشبهات بالهيئة الحاصلة من المشبهات بها على سبيل التشبيه التمثيلي.
ومعنى "ثم تحين سقيها" أي اختار لها الوقت والموضع المناسب لشربها عطشا وماء ومعنى "فأوردها حوضا" أي جاء بها إلى بئر ماء عذب عليه حوض لسقي الدواب فرفع الماء من البئر وملأ لها الحوض ومعنى "فشرعت فيه" بفتح الراء أي شربت منه يقال: شرع الوارد شرعا إذا تناول الماء بفيه والصفو في اللغة بفتح الصاد لا غير وهو الخالص قال النووي: فإذا ألحقوه الهاء فقالوا: الصفوة كانت الصاد مضمومة ومفتوحة ومكسورة ثلاث لغات.
ثم قال: ومعنى الحديث أن الرعية يأخذون صفو الأمور فتصلهم أعطياتهم بغير نكد وتبتلى الولاة