بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه المثخن له وجاءت الضربة الثانية فاشتركا في القتل إلا أن الأول قتله وهو ممتنع يمكن أن يدفع عن نفسه أما الثاني فقتله وهو مثبت فحكم بالسلب للأول لأن القتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان وإخراجه عن كونه ممتنعا.
وقيل: وجد سيف معاذ بن عمرو بن الجموح السيف القاتل دون الآخر فحكم له بالسلب وقال: كلاكما قتله تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في قتله.
وقد جاء في البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر فأخذ بلحيته وقال: أنت أبو جهل؟ وفي رواية الطبراني: أخزاك الله يا عدو الله وروى الحاكم في إكليله "مر ابن مسعود على أبي جهل فقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام فقال أبو جهل: تشتمني يا رويعي هذيل؟ فقال: نعم والله وأقتلك. فحذفه أبو جهل بسيفه وقال: دونك هذا إذا فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله وعن الحاكم قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقال: لقد ارتقيت -يا رويع الغنم- مرتقى صعبا قال: ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الروايات لا تعارض قوله في روايتنا "كلاكما قتله" لأن معناه كلاكما جعله في حالة من مات ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح فأطلق عليه القتل باعتبار ما سيئول إليه وهذه الرواية وإن أثبتت الاشتراك في إنهاء القتل لكن السلب ثبت للذي أثخنه كما سبق.
(والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء) قال النووي: هكذا رواه البخاري ومسلم وجاء في صحيح البخاري أيضا أن الذي ضربه ابنا عفراء. اهـ.
وعفراء أمه بنت عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد هكذا قال محمد بن إسحق وقال ابن هشام: هو معاذ بن الحارث بن عفراء بن سواد بن مالك بن النجار وادعى القرطبي أن رواية "ابنا عفراء" وهم من الرواة التبس عليهم معاذ بن الجموح بمعاذ بن عفراء وقال ابن الجوزي: ابن الجموح ليس من ولد عفراء ومعاذ بن عفراء ممن باشر قتل أبي جهل ولعل الحديث "ابن عفراء" فغلط الرواي فقال: ابنا عفراء وقال ابن التين: يحتمل أن يكونا أخوين لأم أو يكون بينهما رضاع. والله أعلم.
(قتل رجل من حمير رجلا من العدو) في الرواية الرابعة يقول عوف بن مالك: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مددي من اليمن" يعني رافقني أثناء الغزوة رجل من المدد أي الذين جاءوا يمدون جيش مؤتة ويساعدونهم والقاتل هو مرافق عوف اليمني الحميري ففي رواية لأحمد قال عوف: فانضم إلينا رجل من أمداد حمير فأوى إلى رحلنا ليس معه شيء إلا سيف ليس معه سلاح غيره فلقينا عدونا وفيهم رجل من الروم على فرس أشقر وسرج مذهب ومنطقة ملطخة ذهبا وسيف مثل ذلك فجعل يحمل على القوم ويغري بهم فلم يزل ذلك المددي يحتال لذلك الرومي حتى مر به فاستقفاه فضرب عرقوب فرسه بالسيف فوقع ثم أتبعه ضربا بالسيف حتى قتله.