وقال ابن بطال: إن حديث الإذن بالشرب كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة.
وقال بعضهم: حديث النهي محمول على ما إذا كان المالك أحوج من المار لحديث أبي هريرة "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة -أي مملوء ضرعها باللبن- فابتدرها القوم ليحلبوها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب؟ قالوا: لا. قال: فإن ذلك كذلك" قالوا: فيحمل حديث الإذن بالحلب على ما إذا لم يكن المالك محتاجا ويحمل حديث النهي على ما إذا كان المالك محتاجا.
وقال بعضهم: يقصر الإذن بالشرب على ماشية أهل الذمة ويحمل النهي على ما كان للمسلمين واستؤنس لهذا القول بما شرطه بعض الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين وصح ذلك عن عمر لكن جاء عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال: لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه قيل له: فالضيافة التي جعلت عليهم؟ قال: كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها وأما الآن فلا.
وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة قالوا: وكانت الضيافة واجبة حينئذ ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة.
واختار ابن العربي الحمل على العادة قال: وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا.
وقال النووي: في شرح المهذب: اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية: قال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الرواية الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين.
وعلق الشافعي القول بذلك على صحة حديث "إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبيئة" قال الحافظ ابن حجر: والحديث بمجموع طرقه لا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونه. اهـ.
قلت: الاحتجاج بما دونه في كثير من الأحكام حيث لا يوجد غيره شيء وكونه معارضا بحديث صحيح أقوى منه شيء آخر.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 - ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وتمثيل ما قد يخفى بما هو أوضح منه
2 - واستعمال القياس في النظائر.
3 - وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا.