هذا بعد نهى القرآن بقوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} [البقرة: 188].

كثير من نصوص الكتاب والسنة تحذر من أكل أموال الناس بالباطل وهي في حرز مثلها ولكن الأرقى تشريعا والأسمى معاملة حماية أموال الناس الضائعة من أصحابها حين نجدها ولا نعلم أصحابها وما واجبنا نحوها؟ هذه الأحاديث ترسم لنا طريق التكافل الاجتماعي وأن المسلمين كاليدين تغسل إحداهما الأخرى وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وأن على المؤمن إذا وجد شيئا ضائعا من صاحبه أن يحميه من نفسه الأمارة بالسوء التي بين جنبيه الطامعة فيه وأن يلتقطه ليحفظه لصاحبه ليس هذا فحسب بل يجب عليه أن يعلن عنه في مكان التقاطه وفي الأسواق وفي أماكن اجتماع الناس سنة كاملة على الأقل تكون اللقطة وديعة لدى الملتقط خلالها لا يحل له منها نتاجها المنفصل ولا المتصل ولا أجرة له على حفظها اللهم إلا ما ينفقه عليها لتحيا إن كانت ذات حياة أما لقطة المال والمتاع الذي لا يفسد بمرور الأيام فيعلن عنها إن جاء صاحبها وأخبر بأوصافها واطمأنت لصدقه نفس الملتقط سلمها له أما بعد مرور العام فتنتقل من الوديعة التي لا يجوز التصرف فيها ولا الانتفاع بها إلى وديعة يتصرف فيها الملتقط تصرف الملكية مع الضمان إن جاء صاحبها في يوم من الأيام فإن كانت اللقطة إبلا أو نحوها مما لا خطر منها ولا عليها إن هي تركت في مكانها فعلى المسلم تركها حتى يعود إليها مالكها في مكان ضياعها فهل هناك تشريع أرقى من هذا التشريع؟ إنه بحق تشريع الحكيم الخبير.

-[المباحث العربية]-

(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) في الرواية الثالثة "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه" وفي رواية البخاري "جاء أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم" وقد ذهب بعض المتأخرين أن السائل المذكور هو بلال المؤذن وفيه بعد لأنه لا يوصف بأنه أعرابي وقيل: السائل هو الراوي نفسه زيد بن خالد الجهني وفيه بعد أيضا لظاهر الرواية الثالثة ولأنه لا يوصف بأنه أعرابي نعم في رواية لأحمد عن زيد بن خالد "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو أن رجلا سأل" على الشك قال الحافظ ابن حجر: لعله نسب السؤال إلى نفسه لكونه كان مع السائل قال: وقد ظفرت باسم السائل فيما أخرجه الحميدي والطبراني وغيرهما عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " وهو أولى ما يفسر به المبهم. اهـ.

فالسائل سويد الجهني رضي الله عنه اهـ وقد سأل آخرون في غير هذا الحديث عن اللقطة بألفاظ مختلفة.

(عن اللقطة) بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين وقال عياض: لا يجوز غيره وقال الزمخشري في الفائق: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها وجزم الخليل بأنها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015