وفي الرواية الثانية "فأحسب أنه صادق" وفي رواية "فأظنه صادقا" وفي الكلام حذف تقديره: وهو في الباطن والحقيقة كاذب.
(فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه) أي فمن أعطيته من حق أخيه شيئا فلا يأخذه وفي الرواية الثانية "فمن قضيت له بحق مسلم" والتقييد بالمسلم خرج على الغالب إذ الكثير في معاملات المسلم أن تكون مع المسلم وليس المراد به الاحتراز عن الكافر فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم فالمراد من الأخوه الأخوة في الإنسانية.
(فإنما أقطع له به قطعة من النار) الفاء للتعليل أي لا يأخذه لأنه قطعة من النار وليس المراد أنه الآن حين القضاء قطعة من نار تحرق فقد يكون نافعا للمحكوم له في الدنيا ولكن المراد أنه سيتحول إلى قطعة من النار يوم القيامة يجبر على أخذها لتحرقه وفي الرواية الثانية "فإنما هي قطعة من النار" قال الحافظ ابن حجر: ضمير "هي" للحالة أو القصة. اهـ ويصح أن يعود إلى القضية أي المقضي به أي فإن ما أقضي به بغير حق من مال المسلم قطعة من النار.
(فليحملها أو يذرها) في رواية للبخاري "فليأخذها أو ليتركها" قال النووي: ليس معناه التخيير بل هو التهديد والوعيد كقوله تعالى {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] وكقوله سبحانه {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40]. اهـ.
وحاصله النهي والتحذير من أخذها لأنها غير حق ولأنها قطعة من النار.
وقال ابن التين: هو خطاب للمقضي له (يقصد مطلقا سواء قضي له بحقه أو بحق أخيه) ومعناه أنه أعلم من نفسه هل هو محق؟ أو مبطل فإن كان محقا فليأخذ وإن كان مبطلا فليترك فإن الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه اهـ وهذا المعنى لا يستقيم مع الحكم السابق وأنه حق الغير وأنه قطعة من النار.
(إنما أنا بشر) البشر الخلق يطلق على الجماعة والواحد والمراد أنه صلى الله عليه وسلم مشارك للبشر في أصل الخلقة وإن زاد عليهم بمزايا اختص بها في ذاته وصفاته والحصر هنا مجازي قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم أي ما أنا إلا بشر والبشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم تعالى على شيء من ذلك وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم.
-[فقه الحديث]-
هذا الحديث حجة لمن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد يحكم بالشيء في الظاهر ويكون الأمر في الباطن خلافه ولا مانع من ذلك إنما الممتنع أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ناشئا عن اجتهاده ويكون خطأ فهو في هذه الحالة لا يقر على الخطأ أما ما نحن فيه فهو الحكم في القضايا