يتبع ليقام عليه الحد؟ فقال الشافعي وأحمد وغيرهما: يترك ولا يتبع، فإن رجع عن الإقرار ترك، وإن أعاد الإقرار رجم، وقال مالك في رواية وغيره: إنه يتبع ويرجم، واحتج الشافعي وموافقوه بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ألا تركتموه حتى أنظر في شأنه"؟ وفي رواية "هلا تركتموه؟ فلعله يتوب، فيتوب الله عليه"؟ واحتج الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ذنبه، مع أنهم قتلوه بعد هربه، وأجاب الشافعي وموافقوه عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع، وقد ثبت إقراره، فلا يتركه حتى يصرح بالرجوع، قالوا: وإنما قلنا: لا يتبع في هربه، لعله يريد الرجوع، ولم نقل: إنه سقط الرجم بمجرد الهرب.
26 - ويؤخذ من قوله "فرميناه بالعظام والمدر والخزف" دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو العظام أو الخزف أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل، ولا تتعين الأحجار.
27 - ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التاسعة لماعز "ارجع فاستغفر الله، وتب إليه" دليل على سقوط المعاصي الكبائر بالتوبة، وهو بإجماع المسلمين، إلا ما جاء عن ابن عباس في عدم قبول توبة القاتل خاصة، قال النووي: فإن قيل: فما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة، وهي محصلة لغرضهما، وهو سقوط الإثم؟ بل أصرا على الإقرار، واختارا الرجم؟ فالجواب أن تحصيل البراءة بالحدود، وسقوط الإثم متيقن على كل حال، لا سيما وإقامة الحد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التوبة فيخاف ألا تكون نصوحًا، وأن يخل من شروطها، فتبقى المعصية وإثمها دائمًا عليه، فأرادا حصول البراءة بطريق متيقن، دون ما يتطرق إليه احتمال.
28 - ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التاسعة: "استغفروا لماعز ... لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم".
ومن لوم خالد على سبه الغامدية ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية العاشرة والحادية عشرة "لقد تابت توبة ... إلخ" دليل على أن الحد يكفر ذنب المعصية التي حد لها، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث عبادة بن الصامت، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "من فعل شيئًا من ذلك، فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له" قال النووي: ولا نعلم في هذا خلافًا. اهـ
أما قوله عن ماعز في الرواية الثامنة "فما استغفر له، ولا سبه" فقد قال النووي: أما عدم السب فلأن الحد كفارة له، مطهرة له من معصيته، وأما عدم الاستغفار -أي في نفس وقت الرجم- فلئلا يغتر عليه، فيقع في الزنا اتكالاً على استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
29 - ومن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم ماعز استحباب خطبة الإمام عند الأمور المهمة وتبصير المسلمين بالأخطار، والاستفادة من ظروف الأحداث في الترغيب والترهيب.
30 - ومن قوله "حتى تضعي ما في بطنك" في الرواية التاسعة أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه، لئلا يقتل جنينها، قال النووي: وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع، حتى تضع.