طرقات المدينة، وقولهم: "ونحملهما" رويت بضم النون وفتح الحاء وتشديد الميم المكسورة، أي نجعلهما حملاً على جمل أو بغل، وفي بعض النسخ "ونجملهما" بالجيم بدل الحاء، أي نضعهما فوق الجمل، وفي بعضها "نحممهما" بميمين، أي نسود وجوههما، وهذا الأخير ضعيف، لسبق "نسود وجوههما" وصورة المخالفة بين وجوههما أن يلصق ظهر كل منهما بظهر الآخر، فيكون وجه أحدهما إلى الأمام، ووجه الآخر إلى الخلف. قال صلى الله عليه وسلم: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا: نعم.
(قال: فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين) أي فأتوا بالتوراة فاتلوها.
(فجاءوا بها، فقرءوها) وما كان لهم أن يمتنعوا، فهم تحت حكمه صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
(حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ، يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها، وما وراءها) أي ما قبلها من الآيات، وما بعدها، ولم يقرأها.
(فدعا رجلاً من علمائهم) ليجتمع به على انفراد، ويعيد السؤال عليه على انفراد، لعله يبيح بالسر الذي جعلهم يغيرون القول الذي أنزله الله، ويبدلون ويحرفون الكلم عن مواضعه، وقد تحقق للرسول صلى الله عليه وسلم ما قصده.
(فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه) أي إذا أخذنا الشريف زانيًا، وثبت عندنا زناه تركناه، فلم نرجمه.
(فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء، نقيمه على الشريف والوضيع) أي قال أئمة اليهود بعضهم لبعض: تعالوا. فلنتفق على عقاب نطبقه على الشريف والوضيع.
(فأمر به فرجم) أي وأمر بالمرأة فرجمت, ففي الرواية الثالثة عشرة "فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجما" وفي الرواية الرابعة عشرة "رجم في الزنا يهوديين، رجلاً وامرأة" وفي الرواية السادسة عشرة "رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم" وهو ماعز "ورجلاً من اليهود وامرأته" أي صاحبته التي زنى بها، ولم يرد زوجته.
والظاهر أن الرجل والمرأة اليهوديين رجما في مكان واحد، وفي وقت واحد، ففي الرواية الثالثة عشرة قال ابن عمر: "كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه" أي ينحني عليها، ويحيطها بنفسه، يحميها من الحجارة ويتلقاها هو بدلها.
(فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها) التثريب التعنيف، أي لا يعنفها، ولا يؤنبها، ولا يلومها على الذنب، فقد فقدت حريتها الكاملة.
(ولو بحبل من شعر) في الرواية المتممة للعشرين "ثم بيعوها، ولو بضفير" وفي ملحقها فسر ابن شهاب الضفير بالحبل، والمراد المبالغة في حقارة القيمة، بحيث يسرع البائع ويمضي بيعها ولا يتربص بها طلب الراغبين بالثمن العالي، وليس المراد بيعها بقيمة الحبل حقيقة، فهو من قبيل "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاه".