(كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه كرب لذلك) أي إذا أنزل عليه الوحي كرب - بضم الكاف وكسر الراء، مبني للمجهول، أي أصابه كرب وشدة تأخذ بنفسه كالمخنوق لثقل الوحي.
(وتربد له وجهه) بفتح التاء والراء وتشديد الباء المفتوحة بعدها دال، يقال: اربد وجهه بتشديد الدال، أي احمر حمرة فيها عبوس وغبرة.
(فلقي كذلك) الفعل مبني للمجهول، أي لقيه أصحابه يومًا على هذه الحالة.
(فلما سري عنه قال: خذوا عني) أي فلما زال ما به، وكشف عنه قال
(قد جعل الله لهن سبيلا) يشير بذلك إلى قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15] والمعنى قد جعل لهن مخرجا، غير الحبس حتى الموت.
(البكر بالبكر جلد مائة، ونفى سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) أي زنا الرجل البكر بالفتاة البكر، حده جلد مائة جلدة لكل منهما، وتغريب سنة للرجل، كما سيأتي في فقه الحديث، وزنا الرجل الثيب - أي المحصن الذي سبق له الزواج، بالمرأة الثيب، التي سبق لها الزواج جلد مائة جلدة لكل منهما والرجم لكل منهما، وعلم من هذا حكم زنا الرجل البكر بالمرأة الثيب، وزنا الرجل الثيب بالفتاة البكر، وكان يكفي أن يقول: البكر جلد مائة، والثيب الرجم، لكن المقام مقام تفصيل، وسيأتي مزيد بحث لهذا في فقه الحديث وفي الرواية الثانية "الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة" وفيها لف ونشر مرتب، "جلد مائة ثم رجم بالحجارة" يرتبط بالثيب بالثيب، و"جلد مائة ثم نفي سنة" يرتبط بالبكر بالبكر. وقوله "جلد مائة" بالإضافة عند الأكثرين، وقرأه بعضهم بتنوين "جلد" وتنوين "مائة" والمراد من النفي التغريب، واختلف في مسافته على ما سيأتي في فقه الحديث.
(فكان مما أنزل عليه آية الرجم) أراد بها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم" قال النووي: وهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
(أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من عامة المسلمين، ليس من أكابرهم، ولا بالمشهور فيهم وفي الرواية الثامنة "أن رجلاً من أسلم، يقال له: ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي الرواية العاشرة "أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم" ففي هذه الروايات أن ماعزًا أتى من تلقاء نفسه، وفي الرواية السادسة "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قصير أشعث ذي عضلات" فهذه الرواية تدل على أنه جيء به، وفي غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرًا لك، وكان ماعز عند "هزال" ولا تعارض فمن جيء به فقد جاء، ومن أرسل فقد جاء.