وجعل الإسلام طهارة الفروج علامة من علامات الإيمان، فقال {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 1 وما بعدها].
أمام هذه الحصون المنيعة من ارتكاب الفاحشة كان لا بد من عقاب شديد مرعب مخيف قاس مزعج لمن يتسلق هذه الأسوار، ويرتكب هذا الأمر المقيت، فكان قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15].
ثم كان للثيب المتزوج الذي وطيء ولو مرة في نكاح صحيح "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم" وكان للبكر الذي لم ينكح أصلاً في نكاح صحيح {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور: 2].
فالبكر يجلد مائة جلدة، وبنفي عن موطن زناه لمدة عام، والثيب المحصن يرجم ويرمى بالحجارة حتى الموت، موت بطيء، مؤلم، مخز، حقير، ولولا أن الله يقول {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} لما نفذ في مسلم أو مسلمة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يعترف زان بزناه، ويقر به، بعد أن ستره الله، كان يحب أن يستر الزاني نفسه ويستغفر الله ويتوب إليه، ولا يفضح نفسه، ويفضح شريكته، ويفضح كل من يتصل بهما من قريب أو بعيد بل كان بعد اعتراف الزاني أمامه يلقنه التراجع عن إقراره، ويعرض عنه المرة بعد المرة، ويرده عن لقاء بعد لقاء، فإذا لم يكن بد، وشهد أربعة شهداء، أو أقر الزاني إقرارات لا شبهة فيها أمر برجمه ورجمها. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم باشر الرجم بنفسه، أو حضره حتى النهاية، بل كل ما ثبت أنه أمر برجمهم طيلة حياته خمسة، ماعز، وشريكته الغامدية، والجهنية صاحبة العسيف، واليهودي وصاحبته اليهودية، ولولا إقرار الزاني والزانية لتوقف حد الرجم أو كاد، بل حد الزنا بعامة، إذ لا يكاد يتحقق شهادة أربعة من الشهداء يشهدون أنهم رأوا بأعين رءوسهم دخول ذكر الرجل في فرج الأنثى، وغيابه كغياب المرود في المكحلة؟ وفوق ذلك يدرأ الحد بالشبهات كأن يدعي الجنون أو الإكراه أو شبهة الحل بأي وجه من الوجوه.
فما أكثر الزنا في واقع الحياة ولكنه الستار الحليم، الغفور الرحيم.
-[المباحث العربية]-
(خذوا عني. خذوا عني) أي خذوا عني حكم الزانية والزاني. كرر في هذه الرواية للتأكيد، وفي الرواية الثانية بدون تكرير، والظاهر أن هذه العبارة قصد منها إعلان سروره صلى الله عليه وسلم، واستبشاره بما نزل عليه، ففي الرواية الثانية أنه قال ذلك عقب الوحي.