باحتمال أن تكون الحلي في القطيفة، فالذي ذكر القطيفة أراد بما فيها، والذي ذكر الحلي ذكر المظروف دون الظرف. اهـ.
وقد جاء في الرواية العاشرة "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع، وتجحده" وعند النسائي "استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون - وهي لا تعرف - حليًا، فباعته، وأخذت ثمنه" وعند عبد الرزاق "أن امرأة جاءت امرأة، فقالت: إن فلانة تستعيرك حليًا، فأعارتها إياه، فمكثت لا تراه، فجاءت إلى التي استعارت لها، فسألتها، فقالت: ما استعرتك شيئًا، فرجعت إلى الأخرى، فأنكرت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاها، فسألها، فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئًا. فقال: اذهبوا إلى بيتها، تجدوه تحت فراشها، فأتوه، فأخذوه، وأمر بها، فقطعت" وجمع الحافظ ابن حجر بأنه يحتمل أن تكون سرقت القطيفة، وجحدت الحلي، وأطلق عليها في جحد الحلي في رواية أنها سرقت مجازًا.
واستبعد الحافظ ابن حجر ما قاله ابن حزم وغيره من أنهما قصتان، بأن في كل من الطريقين أنهم استشفعوا بأسامة، وأنه شفع، وأنه قيل له: لا تشفع في حد من حدود الله، فيبعد أن أسامة يسمع النهي المؤكد عن ذلك، ثم يعود إلى ذلك مرة أخرى، ولا سيما إن اتحد زمن القصتين، ولم يرتض الحافظ ابن حجر جواب ابن حزم عن ذلك بأن أسامة يجوز أن ينسى، ويجوز أن يكون الزجر عن الشفاعة في حد السرقة تقدم، فظن أن الشفاعة في جحد العارية جائزة، وأنه لا حد فيه فشفع، فأجيب بأن فيه الحد أيضًا. قال الحافظ: ولا يخفى ضعف الاحتمالين.
وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء أن القصة لامرأة واحدة، استعارت وجحدت، وسرقت فقطعت للسرقة، لا للعارية، زاد الخطابي في معالم السنن أن العارية والجحد إنما ذكرت في هذه القصة، تعريفًا لها بخاص صفتها، إذ كانت تكثر ذلك، كما عرفت بأنها مخزومية - وكأنها لما كثر منها ذلك ترقت إلى السرقة، وتجرأت عليها. قال البيهقي: فتحمل رواية من ذكر جحد العارية على تعريفها بذلك، والقطع على السرقة. اهـ وكل هذه التوجيهات محاولات لإبعاد أن يكون القطع على جحد العارية، حيث إن الجمهور لا يقول بالقطع في جحد العارية - وزاد القرطبي هذه التوجيهات إيضاحًا، فقال: يترجح أن يدها قطعت على السرقة، لا لأجل جحد العارية من أوجه: أحدها: قوله في آخر الحديث الذي ذكرت فيه العارية - روايتنا التاسعة والعاشرة - "لو أن فاطمة سرقت" فإن فيه دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة، إذ لو كان قطعها لأجل الجحد لكان ذكر السرقة لاغيًا، ولقال: لو أن فاطمة جحدت العارية. ثانيها: لو كانت قطعت في جحد العارية لوجب قطع كل من جحد شيئًا، إذا ثبت عليه، ولو لم يكن بطريق العارية. ثالثها: أنه عارض ذلك حديث "ليس على خائن، ولا مختلس، ولا منتهب قطع" وهو حديث قوي. قال الحافظ: أخرجه الأربعة وصححه أبو عوانة والترمذي. اهـ. وقواه الحافظ ابن حجر ودافع عنه، ورد على من وهمه. وسيأتي زيادة لهذه المسألة في فقه الحديث.
(فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة؟ حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) "يجترئ" بفتح الياء