(أن أخت الربيع - أم حارثة، جرحت إنسانًا) قال النووي: هذه رواية مسلم، وخالفه البخاري في روايته، فقال: عن أنس بن مالك أن عمته الربيع - بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء المكسورة - كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فعرضوا الأرش، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا. والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس، كتاب الله القصاص، فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" هذا لفظ رواية البخاري، فحصل الاختلاف في الروايتين من وجهين:
أحدهما: أن في رواية مسلم، أن الجارحة الجانية أخت الربيع، وفي رواية البخاري أنها الربيع بنفسها.
والثاني: أن في رواية مسلم أن الحالف لا تكسر ثنيتها أم الربيع، في رواية البخاري أنه أنس بن النضر، قال العلماء: المعروف في الروايات رواية البخاري، وقد ذكرها من طرقه الصحيحة، وكذا رواه أصحاب كتب السنن، قال النووي: قلت: إنهما قضيتان، أما الربيع الجارحة في رواية البخاري وهي أخت الجارحة في رواية مسلم فهي بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء، وأما أم الربيع الحالفة في رواية مسلم فبفتح الراء وكسر الباء وتخفيف الياء. اهـ.
قال الكرماني: القول بأن هذه امرأة أخرى لم ينقل عن أحد، والصواب "أن الربيع جرحت إنسانًا" بحذف لفظة "أخت" ومال الحافظ ابن حجر إلى قول النووي، وأضاف وجهًا ثالثًا للاختلاف بين الروايتين وهو: هل الجناية كسر الثنية أو الجراحة؟ وقال: وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان، وقعتا لامرأة واحدة، إحداهما أنها جرحت إنسانًا، فقضي عليها بالضمان، والأخرى أنها كسرت ثنية جارية، فقضي عليها بالقصاص، وحلفت أمها في الأولى - فالمقصود من أم الربيع ليست الكنية، وإنما والدة الربيع، والجانية في المرتين هي الربيع - وحلف أخوها في الثانية، وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين: ظاهر الخبرين يدل على أنهما قصتان، فإن قبل هذا الجمع، قبل، وإلا فثابت (الراوي عن أنس عند مسلم) أحفظ من حميد (الراوي عن أنس عند البخاري).
(القصاص. القصاص) منصوب على الإغراء، مفعول به لفعل محذوف، أي الزموا القصاص.
(أيقتص من فلانة؟ واللَّه لا يقتص منها) وفي رواية البخاري: قال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا. والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها" وسواء كان القائل أنسًا، أو أم الربيع، أو هما، فليس معناه رد حكم النبي صلى الله عليه وسلم، بل المراد به الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفو، وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو، وإنما حلف أنس أو أم الربيع ثقة بهم ألا يحنثوه، أو ثقة بفضل الله ولطفه ألا يحنثه، بل يلهمهم العفو، وقد وقع الأمر على ما أراد.
(القصاص كتاب اللَّه) المشهور على أنهما مرفوعان، مبتدأ وخبر، ويحتمل نصبهما على