لكن الجناية أحيانًا لا تكون مقصودة للجاني، أو تكون دفاعًا عن النفس، أو ردًا على جناية سابقة، فهل الجناية على المعتدي تعتبر اعتداء يقتص لها؟ هذا ما تصوره قصة الأحاديث الأولى، يعلى بن أمية، الصحابي الجليل، يختلف مع رجل، قد استأجره يعلى، ليساعده على بعض أموره، يغضبان، فيتدافعان بأيديهما، فيقضم يعلى يد الأجير فيتألم الأجير، فينتزع يده بقوة من فم يعلى، فتسقط سن من أسنان يعلى، فيرفع الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليحكم له بالقصاص، أو بدية السن، فيحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة الأجير، لأنه كان في حالة الدفاع عن النفس، فيقول: لا دية ولا قصاص.
-[المباحث العربية]-
(باب الصائل) يقال: صال يصول صولاً وصولانًا، سطا عليه ليقهره.
(قاتل يعلى ابن منية أو ابن أمية) "منية" بضم الميم وسكون النون وفتح الياء وهي أم يعلى، وقيل: جدته، والأول هو المعتمد. وبعض الرواة صحفها إلى "منبه" بالباء، وهو خطأ، و"أمية" اسم أبيه، فيصح أن يقال: يعلى بن أمية، ويعلى بن منية، أسلم يوم الفتح، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ما بعدها، كحنين والطائف وتبوك.
(رجلاً، فعض أحدهما صاحبه) وفي الرواية الثالثة "عن صفوان بن يعلى أن أجيرًا ليعلى بن منية، عض رجل ذراعه" وهذه الرواية مرسلة، فصفوان تابعي، وهي تفيد أن المعضوض أجير يعلى، وفي رواية "أن رجلاً من بني تميم قاتل رجلاً، فعض يده" ويعلى من بني تميم، والأجير ليس من بني تميم، فهي تشير أن العاض يعلى، ومن هنا يرى الحافظ ابن حجر أن الرجلين المبهمين يعلى وأجيره، وأن يعلى أبهم نفسه، لأنه العاض، وأنكر القرطبي أنك يكون يعلى هو العاض فقال: يظهر من هذه الرواية أن يعلى هو الذي قاتل الأجير وفي الرواية الأخرى "أن أجيرًا ليعلى عض يد رجل" وهذا هو الأولى والأليق، إذا لا يليق ذلك الفعل بيعلى، مع جلالته وفضله، اهـ قال الحافظ ابن حجر: لم يقع في شيء من الطرق أن الأجير هو العاض، وأما استبعاده أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له مع ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح، فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه، فلا استبعاد.
وقال النووي: أما أن في بعض الروايات أن يعلى هو المعضوض، وفي بعضها أن المعضوض أجير ليعلى، لا يعلى، فقال الحفاظ: الصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى، لا يعلى، ويحتمل أنهما قضيتان، جرتا ليعلى ولأجيره، في وقت أو وقتين. وتعقبه الترمذي بأنه ليس في رواية مسلم ولا رواية غيره في الكتب الستة ولا غيرها أن المعضوض هو يعلى، لا صريحًا ولا إشارة، فيتعين على هذا أن يعلى هو العاض.
وفي روايات مسلم أن المعضوض "يد" أو "ذراع" ولا تعارض، لكن المشكل رواية البخاري في