أخرج عبد الرزاق عن قتادة، قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت في العرنيين، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين، يسعى في الأرض فسادًا، ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين.

قال الحافظ ابن حجر: والمعتمد أن الآية نزلت أولاً في العرنيين، وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق، لكن عقوبة الفريقين مختلفة، فإن كانوا كفارًا يخير الإمام فيهم، إذا ظفر بهم، وإن كانوا مسلمين، فعلى قولين. أحدهما وهو قول الشافعي والكوفيين: ينظر في الجناية، فمن قتل قتل، ومن أخذ المال قطع، ومن لم يقتل، ولم يأخذ مالاً نفى، وجعلوا "أو" للتنويع.

وقال مالك: بل هي للتخيير، فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة. واختلفوا في المراد بالنفي في الآية، فقال مالك والشافعي: يخرج من بلد الجناية إلى بلد أخرى، زاد مالك: فيحبس فيها.

وعن أبي حنيفة: بل يحبس في بلده.

أما المثلة التي وقعت بهم فقد مال ابن الجوزي وجماعة إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، وروايتنا السادسة تشير إلى ذلك، وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي.

وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ بحديث النهي عن المثلة، فقد قال عنه ابن شاهين: أنه ينسخ كل مثلة. وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ، ومال الحافظ ابن حجر إلى أن التاريخ ثابت، فقد نقل قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء، للإجماع على أن من وجب عليه القتل، فاستسقى، لا يمنع.

وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وقع منه نهي عن سقيهم. قال الحافظ: وهو ضعيف جدًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك، وسكوته كاف في ثبوت الحكم. وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره.

وقال الخطابي: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك، لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل، التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم.

وقد احتج بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه، لشربهم بول الإبل، ويقاس على الإبل بول مأكول اللحم، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطرخي والروياني.

وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، من مأكول اللحم وغيره قال ابن العربي: وقد تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015