الصورة أحرارًا، طبقة الجبابرة، وطبقة الضعفاء، فجاء الإسلام بقانونه الخالد من فوق سبع سموات، بقول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] جاء الإسلام والرق منتشر بين أهل الأرض، نتيجة الحروب والإغارات، ثم البيع والشراء، وما كان الإسلام ليمتنع عن استرقاق أعدائه، ماداموا يسترقون أبناءه إذا هزم، لكنه بعد أن يسترق أعداءه يفتح للأرقاء باب الحرية بالكفارات والتطوع بالعتق وفضله وبالكتابة والتدبير وبغير ذلك من منافذ الحرية، ثم حض الأسياد على حسن معاملة العبيد، فمنع ضرب العبيد، حتى قال صلى الله عليه وسلم "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه" واستجاب بعض الصحابة، فأعتق عبده إذا ضربه، لكن البعض كان يرى هذا العتق تفضلاً وإحسانًا، فلم يكن ينفذه، فكان صلى الله عليه وسلم حين يبلغه ضرب عبد أو أمة يأمر الضاربين بأن يعتقوها، فإذا اعتذروا بحاجتهم الشديدة إلى خدمتها، أمرهم أن يستخدموها، فإذا استغنوا عنها أعتقوها، وكان إذا رأى سيدًا يضرب غلامه. عنفه، وحذره انتقام الله لعبده، فإن الله أقدر على من يضرب عبده قدرة أعلى من قدرة السيد على عبده، "وإنه تعالى يتوعد من يضرب عبده بلفحة شديدة من النار".
ولم يكتف الإسلام بحماية العبيد من الضرب والأذى، بل طالب الأسياد بأن يعاملوهم معاملة إخوانهم في الإنسانية، فيطعموهم مما يطعمون، ويلبسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل مالاً يطيقون، فإن كلفوهم بما يشق عليهم أعانوهم عليه بأنفسهم وبمن يقدرون عليه من غيرهم، واعتبر مجرد شتمهم أو سبهم خلقًا من أخلاق الجاهلية التي ينبغي البعد عنها.
ثم أخذ يواسي العبيد، ويرفع من شأنهم، إذا هم أخلصوا لأسيادهم، وقاموا بواجباتهم نحوهم على الوجه المطلوب، وإذا هم قاموا بواجباتهم نحو عبادة ربهم، إذا هم أدوا واجبهم في هذين الميدانين كان لهم أجران، وبهذه الفرصة التي أتيحت لهم يمكنهم أن يلقوا ربهم من غير حساب ولا عقاب.
لقد أصبح الأحرار يغبطون العبيد على ما منحهم الإسلام من رعاية وعناية، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفسي بيده. لولا ميزة الجهاد التي يمتاز بها الحر عن العبد، ولولا الحج الذي يقوم به الحر، ولولا بر أمي ولا أستطيع القيام به لو كنت عبدًا، لولا هذه الثلاث لأحببت أن أكون عبدًا، ولأحببت أن أموت وأنا مملوك.
حقًا. نال المملوك في الإسلام حقوقًا لم يسبق للبشرية أن عرفتها، ومنح تكريمًا لم يمنح في تاريخ الإنسانية الطويل للخدم من الأحرار. ونادى الإسلام بتحرير الرقبة قبل أن تنادى به المدينة بألف وأربعمائة عام. ونادى الإسلام باحترام آدمية الآدمي بدرجة لم تعرفها المدنية، حتى في قرنها العشرين.
فالحمد لله على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، والحمد لله رب العالمين.
-[المباحث العربية]-
(وقد أعتق مملوكًا) بينت الرواية الثانية دوافعه إلى هذا الإعتاق، وفيها "دعا بغلام له، فرأى