(16) وأن من فاته بعض أنواع البر أمكنه أن يعوضه بعمل بر آخر، وربما زاد على الأول، وذلك أن سعدًا خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها، فيفوت عليه بعض أجر هجرته، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إن تخلف، فعمل عملاً صالحًا من حج أو جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوضه ما فاته من الجهة الأخرى.
(17) ومن قوله "تبتغي بها وجه الله" أن الأعمال بالنيات.
(18) والحث على إخلاص النية، قال ابن دقيق العيد: فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية، وابتغاء وجه الله، وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه.
(19) وأن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها، فإن نفقة الزوجة واجبة ومع ذلك جعلت اللقمة لها صدقة.
(20) وأن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله "حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك" لأن الزوجة هي من أخص حظوظ الإنسان الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا أخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولي بحصول الأجر، إذا أراد وجه الله تعالى، ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئًا أصله على الإباحة، وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوى على طاعة الله، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطًا، والاستمتاع بزوجته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام قاله النووي.
(21) ومن قوله "ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام" الدعاء بطول العمر والعمل الصالح، ففي ذلك فضيلة.
(22) ومن قوله "ونفقتك على عيالك صدقة" أن الإنفاق على العيال يثاب عليه. قال النووي: إذا قصد به وجه الله تعالى.
(23) ومن بكاء سعد خشية التخلف بمكة حرص المسلم على ما كسب من الخير أن ينقصه عمل، لأنه هاجر، وترك مكة وما كان له فيها لله تعالى، فالبقاء بعد ذلك بمكة كالرجوع في الهبة، قال القاضي: قيل: لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها، إذا كان لضرورة، وإنما يحبطه ما كان بالاختيار، وقال قوم: موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان، وقيل: لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة، فمن هاجر إلى المدينة من غير أهل مكة لا يحبط هجرته البقاء بمكة.
(24) قال الحافظ ابن حجر: وفيه منع نقل الموتى من بلد إلى بلد، إذ لو كان ذلك مشروعًا لأمر بنقل سعد بن خولة. قاله الخطابي. اهـ وفيه نظر فقد يكون الإحباط بالموت في مكة، وليس بالدفن بها.