وأما وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج الكفار من جزيرة العرب فقد أخذ بها مالك والشافعي وغيرهما من العلماء فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر، مشهور في كتبه وكتب أصحابه، وعن مالك عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب، المدينة، وقال الأصمعي: هي ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام، وقال أبو عبيد: هي من أقصى عدن إلى ريف العراق طولاً، ومن جدة إلى أطراف الشام عرضًا.

وقال العلماء: ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولكن لا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام وقال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخله في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج، ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم، وحجة الجماهير قول الله تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]. اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: الذي يمنع المشركون من سكناه من جزيرة العرب الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة، وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها، مع أنها من جملة جزيرة العرب. هذا مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلاً، إلا بإذن الإمام، لمصلحة المسلمين خاصة.

وعرض الألوسي المذاهب، فقال بظاهر الآية {فلا يقربوا المسجد الحرام} فأراد من دخول المسجد الحرام نفسه، وصرف المنع عن دخول المسجد الحرام إلى المنع من الحج والعمرة، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا، وهو عام تسع من الهجرة، فالإمام الأعظم لا يمنع من دخولهم المسجد الحرام وسائر المساجد في الحرم، ومذهب الشافعي وأحمد ومالك رضي الله عنه كما قال الخازن: أنه لا يجوز للكافر، ذميًا كان، أو مستأمنًا، أن يدخل المسجد الحرام بحال من الأحوال، ويجوز دخوله سائر المساجد عند الشافعي، وعن مالك: كل المساجد سواء في منع الكافرين عن دخولها.

-[6 - ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

(1) من قوله في الروايتين الأولى والثانية "ما حق امرئ مسلم" شذ بعضهم فقال بعدم صحة وصية غير المسلم، وقد بحثه السبكي من حيث إن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح، والكافر لا عمل له بعد الموت، وحكى ابن المنذر الإجماع على صحة وصية الكافر، كالإعتاق، وهو يصح من الذمي والحربي.

(2) واستدل الإمام محمد بن نصر المروزي من الشافعية، من قوله "إلا ووصيته مكتوبة عنده" بأن الكتابة في الوصية تكفي من غير إشهاد، وقد سبقت هذه المسألة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015