من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم}
فهذه الآيات تناولت الكلالة في حالة ما إذا لم يترك الميت ولدًا ولا والدًا، وترك إخوة لأم، فقد كان ابن مسعود يقرأ "وله أخ أو أخت من أم" وكذلك قرأ سعد بن أبي وقاص، فيما أخرجه البيهقي بسند صحيح، ومن الشتاء إلى الصيف أخذ الصحابة يستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة بخصوص الإخوة والأخوات الشقيقات أو لأب، كما حدث من جابر رضي الله عنه رواياتنا الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، فنزلت في الصيف آية الكلالة {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} [النساء: 176].
ولا بد من تقدير "من أم" في الأخ والأخت في الآية الأولى، لأن فرض السدس لا يكون للأخ إلا إذا كان من أم، أما الشقيق أو لأب فهو عصبة، وأما الشقيقة فلها النصف فرضًا، فتقييد الأخوة في الآية الأولى بكونهم من أم، وتقييد الأخوة في الآية الثانية بكونهم من الأبوين أو لأب، ويلحق بالولد في الآية الثانية الوالد، فيكون المعنى إن امرؤ هلك ليس له ولد ولا والد، لأنه لو كان له والد لحجب الإخوة، إلا عند الشيعة، فإنهم يورثون الإخوة مع الأب، قال القاضي عياض: وذكر بعض العلماء الإجماع على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد. اهـ.
لكن العلماء اختلفوا في المراد بالولد في الآية الثانية هل يشمل البنت؟ وهل ينزل الجد منزلة الأب، فلا ترث معه الإخوة؟ وقد سبق الخلاف فيمن ترك أختًا وبنتًا وأخًا، ومذهب ابن عباس فيها. والله أعلم.
وأما قضاء ولي الأمر ديون المتوفى فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته جنازة سأل قبل أن يصلي عليها: هل عليه دين؟ فإن قالوا: لا. صلى عليه، وإن قالوا: نعم. سأل: هل ترك مالاً زائدًا على مؤنة تجهيزه يسد دينه؟ فإن قالوا: نعم. صلي عليه، وإن قالوا: لا. وتكفل أحد الصحابة بدينه صلى عليه، فقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم "سأل هل عليه دين؟ ، فقيل له: نعم. فقال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا. قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلى دينه. فصلى عليه" فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران - مقدار الدين الذي تكفل به -؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قضيتهما يا رسول الله. قال: الآن بردت عليه جلده.
قال العلماء: كان صلى الله عليه وسلم يترك الصلاة على من عليه دين، ليحرض الناس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها، لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر بذلك من الاستدانة إلا لضرورة، واختلفوا: هل كانت صلاته على من عليه دين محرمة عليه؟ أو جائزة؟ قال النووي: الصواب الجزم بجوازها. اهـ