التبر منها [أي الخام]، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية المتممة للعشرين "وكذلك الميزان" وأجاب الشافعية عن الحديث بأجوبة، منها جواب البيهقي، قال: قد قيل: إن قوله "وكذلك الميزان" من كلام أبي سعيد الخدري، موقوف عليه فلا يستدل به، الثاني جواب القاضي أبي الطيب وآخرين، أن ظاهر الحديث غير مراد، فإن الميزان نفسه [الآلة] لا ربا فيه فأرادوا به الموزون، وأرادوا شموله وعمومه لكل موزون، وهذه الدعوى غير صحيحة وغير مقبولة: أنه يحمل الموزون على الذهب والفضة، جمعًا بين الأدلة.

وأما الأعيان الأربع فالعلة فيها عند الشافعي في الجديد وهو مذهب أحمد وابن المنذر، أنها مطعومة بدليل الرواية التاسعة عشرة، وفيها "الطعام بالطعام مثلاً بمثل" والطعام اسم لكل ما يطعم، فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الأقوات والأدام والحلاوات والفواكه والأدوية. وعند الشافعي في القديم: العلة فيها أنها مطعومة مكيلة، أو مطعومة موزونة، فلا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، فنفاه عن كل ما لا يؤكل ولا يشرب، وعما يؤكل أو يشرب لكنه لا يكال ولا يوزن.

والعلة عند أبي حنيفة: كونه مكيل جنس، فحرم الربا في كل مكيل وإن لم يؤكل كالجص، ونفاه عما لا يكال ولا يوزن، وإن كان مأكولاً. والعلة عند مالك: كونه مقتاتًا مدخر جنس، فحرم الربا في كل ما كان قوتًا مدخرًا، ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه، وعما هو قوت لا يدخر كاللحم: والعلة عند ابن سيرين وبعض الشافعية: الجنسية، فحرموا الربا في كل شيء بيع بجنسه، كالتراب بالتراب متفاضلاً، والثوب بالثوبين، والشاة بالشاتين. والعلة عند ربيعة: كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، فحرم الربا في كل جنس تجب فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرها، ونفاه عما لا زكاة فيه. وهناك أقوال أخرى في العلة وما تنطبق عليه، في ذكرها طول لا يناسب المقام.

أحوال بيع الربوي وأحكامه:

لبيع الربوي ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يبيعه بجنسه، فيحرم فيه ثلاثة أشياء التفاضل، والنساء، والتفرق قبل التقابض، وهو صريح الأحاديث "مثلاً بمثل، يدًا بيد" وظاهر الرواية السابعة والعشرين والروايات الثلاث بعدها أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كانا أولاً يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يدًا بيد، وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين، ودينار بدينارين، وصاع تمر بصاعين من التمر، وكذا الحنطة، وسائر الربويات، كانا يريان جواز بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة، وهذا معنى قوله في الرواية الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين أنه سألهما عن الصرف، فلم يريا به بأسًا، يعني الصرف متفاضلاً، كدرهم بدرهمين، وكان معتمدهما حديث أسامة بن زيد - روايتنا الثامنة والعشرين -" إنما الربا في النسيئة" ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً، حين بلغهما حديث أبي سعيد، وقد جاء رجوعهما عن ذلك صريحًا في روايتنا السادسة والعشرين، قال النووي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015