تغيير الاسم يغير المسمى، فيطلقون على المعاملات الربوية للبنوك في هذه الأيام إطلاقات من خيالهم، وواقع هذه المعاملة أن يودع شخص في البنك مبلغًا، ويتفق مع البنك على أخذ زيادة عن المبلغ بنسبة معينة كل شهر أو كل عام، ويقوم البنك بإقراض هذه المبالغ لآخرين بزيادة أكثر، يستفيد البنك من هذا الفرق.

مرة يطلقون عليه إنه ليس من ربا الجاهلية، لأن ربا الجاهلية كان دينًا لا زيادة فيه في العام الأول، وتبدأ الزيادة بعد حلول الأجل، وهذه التفرقة لا يقبلها عاقل، إذ كيف تحرم الزيادة التي تحدث بعد عام؟ ولا تحرم الزيادة التي تبدأ من اليوم؟ ومرة يقولون: إن ما يأخذه البنك ليس دينًا، لأن المودع يعطي البنك باختياره، ويرد البنك بنفسه هذا القول، إذ يكتب في دفاتره وفي أوراقه المتعامل بها بين الطرفين (دائن ومدين) ثم إذا جاز هذا بالنسبة للمودع، فماذا يقولون للمقترض من البنك؟

ومرة يقولون: إن علة تحريم الربا استغلال حاجة المحتاج، وليس في معاملة البنوك استغلال حاجة المحتاج، وهو قول ظاهر البطلان، فالمودع محتاج للإيداع، والمقترض محتاج للقرض، والبنك محتاج لكل منهما، وإلا لما قام، والكل يستغل حاجة المحتاج، ومرة يقولون: إنها شركة ومضاربة، وإن فقدت الصيغة الشرعية، والرد عليهم أن الشركة أو المضاربة تقوم على تحمل المكسب والخسارة، والمودع في البنك لا يتحمل الخسارة، ثم ماذا يقولون حين إقراض البنك هذه المبالغ لمحتاج ينفقها في حلال أو حرام؟ هل البنك يكون مشاركًا للمقترض في مشاريعه؟ ربحت أو خسرت؟ ومرة يقولون: إنها معاملة حديثة، لم تكن موجودة، فلا يحكم عليها بالتحريم، ولا بالربا، وهذا أعجب مما مضى، فهو يشبه قولنا: أنا لم أكن موجودًا، فلا يسري علي حكم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ذكرت هذه الشبهات والرد عليها لأنها مثارة في مصر في هذه الأيام. والله الهادي سواء السبيل.

والأعيان التي نصت الأحاديث على تحريم الربا فيها هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، قال النووي في المجموع: أجمع المسلمون على تحريم الربا في هذه الأعيان الستة، المنصوص عليها، واختلفوا فيما سواها، فقال داود الظاهري وسائر أهل الظاهر والشيعة والفاساني وسائر ثقات الناس: لا تحريم في الربا في غيرها، وحكاه صاحب الحاوي عن طاووس ومسروق والشعبي وقتادة وعثمان البتي. وقال سائر العلماء: لا يتوقف تحريم الربا عليها، بل يتعداها إلى ما في معناها، وهو ما وجدت فيه العلة التي هي سبب التحريم، واختلفوا فيها.

فأما الذهب والفضة: فالعلة عند الشافعي فيهما كونهما جنس الأثمان غالبًا - وقوله "غالبًا" احتراز عن الفلوس لو راجت، وصارت أثمانًا، وهذه العلة قاصرة على الذهب والفضة، ويدخل فيها الأواني والتبر وغير ذلك.

وقال أبو حنيفة: العلة فيها الوزن في جنس واحد، فألحق بها كل موزن، كالحديد والنحاس والرصاص والقطن والكتان والصوف وكل ما يوزن في العادة، لكنه قال: إن المضروب من النحاس والحديد والرصاص لا ربا فيه، بل يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً، وإنما الربا في هذه الأصناف في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015