ولم يكتف الإسلام بمنحه التؤدة والتمهل وإعطاء فرصة الرجوع بالمجلس، بل طالب كلاً من الطرفين بالنصح للطرف الآخر، وأن يبين له ما في سلعته من عيوب وأن يصدقه القول، ليبارك لهما في بيعهما، وليجعل الله في هذه المعاملة خيرًا كثيرًا، أما إن كتمه عيوبها، وأخفاها عليه، ولم يصدقه النصيحة محق الله بركة هذه البيعة، وجعلها شرًا ووبالاً.
ولم يكتف الإسلام بهذا أيضًا، بل سمح لكل من الطرفين أن يشترط الخيار، وأن يحتفظ لنفسه بحق التراجع في البيع، مدة قد تصل إلى ثلاثة أيام أو تزيد.
وحمى الإسلام المغفل في البيع والشراء من استغلال الآخرين له، فلقنه أن يقول لصاحبه في البيع: لا خلابة. أي لا خداع بيننا. ولا تغرير، وله بعد ذلك أن يستشير الخبراء، وأن يرجع على الطرف الآخر إن كان مغبونًا. فنعم الإسلام، ونعم التشريع الذي يحفظ المودة والرحمة بين المتعاملين.
-[المباحث العربية]-
(خيار المجلس) "خيار" بكسر الخاء، وهو طلب خير الأمرين، من إمضاء البيع أو فسخه، والخيار في البيع نوعان: "خيار المجلس" أي الخيار طالما كان المتبايعان بمجلس العقد، أو إلى حين يتم الإيجاب والقبول ويحصل التراضي في المجلس.
وخيار الشرط وسيأتي في فقه الحديث، وزاد بعضهم خيار النقيصة، وهو أن يظهر بالمبيع عيب يوجب الرد، ويلتزم البائع فيه شرطًا لم يكن فيه، وبعضهم يجعله مندرجًا في خيار الشرط.
(للمتبايعين) التثنية لتغليب البيع على الشراء، أو على أن كل واحد منهما بائع.
(البيعان) بفتح الباء وتشديد الياء المكسورة جمع بيع بتشديد الياء بمعنى البائع، كضيق وضائق والمراد البائع والمشتري.
(كل واحد منها بالخيار) أي بخيار المجلس.
(ما لم يتفرقا) في رواية النسائي "ما لم يفترقا" بتقديم الفاء على التاء، وعن بعض أهل اللغة يقال: افترقا إذا كان بالكلام، وتفرقا إذا كان بالأبدان. وفي الرواية الثانية "وكانا جميعًا" أي ما لم يتفرقا عن تجمع.
(إلا بيع الخيار) قال الكرماني: فيه ثلاثة أقوال: أصحها أنه استثناء من أصل الحكم، أي البيعان بالخيار إلا بيعًا جرى فيه التخاير بينهما - كأن يقول كل منها للآخر: أنت بالخيار. تمضي عقد البيع أو لا تمضيه. فيقول كل منهما: أختار إمضاء البيع - فإن العقد يلزم به وإن لم يتفرقا بعد. والثاني: أن الاستثناء من مفهوم الغاية "حتى يتفرقا" أي أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيعًا شرط فيه خيار يوم أو يومين مثلاً، فإن الخيار باق بعد التفرق، إلى مضي المدة المشروطة. الثالث: أن