لقد تعرضت أحاديث الباب السابق إلى مجموعة من قوانين الإصلاح في المعاملات، النهي عن بيع الملامسة، وعن بيع المنابذة، وعن بيع الحصاة، وعن بيع حبل الحبلة، وعن بيع الغرر.
وتعرضت أحاديث هذا الباب إلى مجموعة أخرى من قوانين استقامة المعاملة وتوازنها بين الأفراد، النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، وعن سوم الرجل على سوم أخيه، وعن خطبة الرجل على خطبة أخيه، وعن سؤال المرأة طلاق أختها لتحل محلها، وعن النجش والتغرير، وعن وسائل الخداع في بيع الدواب، وعن بيع الحاضر للبادي، وعن تلقي السلع في الطريق قبل وصولها للأسواق.
وفي الأبواب القادمة مجموعات أخرى من قوانين التعامل بين أفراد المجتمع، تحمي بعضه من بعض، وتحمي كل واحد من نفسه التي بين جنبيه، نفسه الأمارة بالسوء.
-[المباحث العربية]-
(لا يبع الرجل على بيع أخيه) "لا يبع" بالجزم على النهي، وفي رواية للبخاري "لا يبيع" في رواية الأكثر، على أن "لا" نافية، والتعبير بالرجل من باب الغالب، وإلا فالحكم يعم النساء، والمراد من الأخ الأخ في الإنسانية عند الجمهور، لأن الذمي والمسلم في ذلك سواء، أو ذكر الأخ خرج للغالب والكثير، فلا مفهوم له.
وصورة البيع على البيع أن يقول الرجل لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو الشرط: افسخ. لأبيعك خيرًا منها بمثل قيمتها، أو مثلها بأنقص مما اشتريت.
ومثل ذلك الشراء على الشراء، كأن يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأكثر، وفي الرواية الأولى والخامسة "ولا يبع بعضكم على بيع بعض" وفي رواية للبخاري "لا يبيع على بيع أخيه".
(ولا يخطب على خطبة أخيه) "ولا يخطب" بالرفع والجزم، أما الرفع فعلى أنه خبر بمعنى النهي، و"لا" نافية وجعل سياقه في صورة الخبر أبلغ في المنع، لإشعاره بأنه أمر امتثل فعلاً، ويخبر عنه، وأما الجزم فعلى النهي الصريح. والخطبة بكسر الخاء طلب المرأة من وليها، وأصلها الهيئة التي يكون عليها الإنسان حين يخطب نحو الجلسة، من خطب يخطب من باب نصر، فهو خاطب، والمبالغة منه خطاب بتشديد الطاء، وأما الخطبة بضم الخاء فهي من القول والكلام، فهو خطاب وخطيب، والمراد من الأخوة الأخوة في العهد والحرمة، فتشمل المسلم والذمي، وذكر الأخ جرى على الغالب، ولأنه ادعى لسرعة الامتثال.
وصورتها المنهي عنها أن يخطب رجل امرأة، فتركن إليه، ويتفقا ويتراضيا، ولم يبق إلا العقد، فيجيء آخر، وهو يعلم بكل هذا، فيخطب على خطبة الأول، أما إذا لم تركن إليه، أو لم يركن إليه وليها، أو قبل أن يتفقا، كوقت المشورة، أو لم يكن الثاني يعلم بخطبة الأول، فكل ذلك لا يدخل في النهي. وفي فقه الحديث زيادة تفصيل.