رملت الحصير وأرملته إذا نسجته، وفي غير هذه الرواية "رمال حصير" - قد أثر في جنبه، فقلت ... وساق قصته مع حفصة ثم قال: "فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله"؟ - أي أجلس؟ "قال: نعم فجلست".
فمعنى "مضطجع على حصير" أي متكئ، وتمام الصورة أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس إزارًا فقط، وليس عليه رداء، فنصفه العلوي عار تمامًا، ظهر فيه تأثير حبال الحصير، وأن الإزار من النوم كان قد تجعد فأرخاه صلى الله عليه وسلم وعدله، وأن عمر ظل واقفاً يؤنس النبي صلى الله عليه وسلم ويقص عليه ما كان من شأنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ظاهر الغضب حين دخل عمر، فلما أنس بكلام عمر وتبسم مرتين اطمأن عمر وطلب الجلوس، وجلس على الأرض، أو على طرف الحصير إن كان قد اتسع له، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل مضطجعًا.
(فنظرت ببصري في خزانة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) دعاه إلى النظر المفارقة الكبيرة بين مقامه صلى الله عليه وسلم عند ربه وعند أصحابه، وما يراه من حاله النبوي، وقلنا: إن ذلك كان في السنة التاسعة، وكانت نفائس بني قريظة وبني النضير وغيرهم قد صارت للمسلمين، وقد أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الكثير. فما بال خزانته هكذا؟ أليس هذا أمر عجيب؟ .
(فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع) ليس المراد القبضة الحقيقية، ما يجمعه الكف الواحد، وإنما هي كناية عن القليل، وإلا فالصاع أربع حفنات بكف الرجل المتوسط، أي ثمان قبضات على الأقل.
(ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة) "مثلها" مجرور، عطفًا على "قبضة" و"قرظًا" تمييز، وهو بفتح القاف والراء والظاء يطلق على شجر عظام، لها سوق غلاظ، وهو نوع من أنواع السنط العربي، ويطلق على ثمرته وبذوره التي تخرج من القرون، وهي المرادة هنا، ويدبغ به الجلود، وفي الرواية العاشرة "وإن عند رجليه قرظًا مضبورًا" قال النووي: وقع في بعض الأصول بالضاد، وفي بعضها بالصاد المهملة، وكلاهما صحيح، أي مجموعًا. اهـ. وفي رواية "مصبوبًا" بباءين، ولا تنافي، فالمراد أنه مجموع غير منتشر، وإن كان في غير وعاء. فهو مصبوب مجتمع.
(وإذا أفيق معلق) "أفيق" بفتح الهمزة، وكسر الفاء، وهو الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أفق بفتح الهمزة والفاء، مثل أديم وأدم، وفي الرواية العاشرة "وعند رأسه أهبًا معلقة" والأهب بضم الهمزة والهاء وبفتحهما، لغتان مشهورتان، جمع إهاب، وهو الجلد قبل الدباغ، وقيل: الجلد مطلقًا، دبغ أو لم يدبغ والذي يظهر أن المراد هنا جلد شرع في دبغه ولم يكمل، وفي الرواية الثانية عشرة "فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة" وفي رواية البخاري "غير أهبة ثلاثة" وفي أخرى له "غير أهبة ثلاثة" بفتح الهمزة والهاء، وبضمها أيضًا بمعنى الأهب.
(فابتدرت عيناي) أي سالت دموعهما، وفي الرواية العاشرة "فبكيت".