يضربون به الأرض، فعل المهموم المفكر المغتاظ. وكانت أرض المسجد بعضها مفروش بالحصى الصغير.
(ويقولون: طلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزواجه) أي يقولون ذلك في أنفسهم تأسفًا وتحسرًا وتألمًا، أو يقول بعضهم ذلك لبعض، وهذا الأخير هو الظاهر، لأنه لو كان القول في أنفسهم لما علمه عمر، وقد بنوا هذا القول على إشاعة نشرها المنافقون والمرجفون في المدينة، وساعد على تصديقها اعتزاله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أيضًا أطلق الأنصاري جار عمر العبارة نفسها "طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه" كما جاء في الرواية الثانية عشرة. وكان على هذا الأنصاري وعلى هؤلاء الصحابة أن يتثبتوا قبل أن يقولوها، ولهذا عاتبهم اللَّه بقوله {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 83] فكان عمر رضي الله عنه من الذين يستنبطونه، إذ رجع إلى الأزواج يسألهن، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: "أطلقت نساءك؟ قال: لا".
(وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب) هذه الجملة مقدمة من تأخير، ومكانها بعد قوله "فدخلت على عائشة" وهذه الجملة أصلاً وهم من الراوي. قال الحافظ ابن حجر: هذه الجملة في الرواية غلط بين، فإن نزول الحجاب كان في أول زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، كما هو مفهوم في سورة الأحزاب، وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير، وكانت زينب بنت جحش فيمن خير، فآية التخيير نزلت سنة تسع، والحجاب كان سنة أربع أو خمس.
ثم قال الحافظ: وقد أجاب بعضهم بتأويلات بعيدة، وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمر أنه دخل على عائشة ظن أن ذلك كان قبل الحجاب، فذكره، لكن جوابه أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب، فقد يدخل من الباب، وتخاطبه من وراء الحجاب، كما لا يلزم من وهم الراوي في لفظة من الحديث أن يطرح حديثه كله.
(فقلت: لأعلمن ذلك اليوم) الإشارة إلى الطلاق أو عدمه، وظاهر من هذه الرواية أن عمر حين جاء من عوالي المدينة بدأ بدخول المسجد، فرأى الناس وأحوالهم فيه، فخرج إلى بيوت الأزواج، ليسأل عن مكان النبي صلى الله عليه وسلم، أما الدخول على الأزواج المذكور في أول الرواية العاشرة والثانية عشرة فهو دخول آخر في يوم سابق على اعتزاله صلى الله عليه وسلم، فالدخول الأول سببه مراجعة زوجة عمر، والدخول الثاني سببه إخبار الأنصاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق نساءه واعتزل.
والدخول الأول كان لتحذير حفصة ثم أم سلمة، والدخول الثاني كان للوم حفصة ومعاتبة عائشة والسؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدخول الأول كان من عوالي المدينة إلى بيوت الأزواج، أما الثاني فكان إلى المسجد ثم البيوت.
(أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ) الاستفهام إنكاري، أي ما كان ينبغي منك - مهما بلغ شأنك وعظم - أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.